هل تُسرع معركة طوفان الأقصى ولادة العالم المتعدد الأقطاب؟
دخل العالم محور المعركة في منطقة الشرق الأوسط ليطرح اشكاليات جيوسياسية عديدة لا يمكن إلا والتوقف عندها.
فعندما يتم تحريك اساطيل دول الغرب نحو البحر المتوسط والبحر الأحمر، وعندما يتجه الاعلام العالمي من حرب اوكرانيا الى الشرق الأوسط، وتتحرك الولايات المتحدة الأمريكية نحو المنطقة بالتزامن مع حركة دبلوماسية واسعة النطاق لروسيا وفرنسا ومصر وقطر وتركيا وإيران وبعض الدول العربية والغربية على أعلى مستويات، هنا لا بُد وأن نطرح القضية الجيوسياسية الأهم في العهد الحديث، ألا وهي “شكل خريطة العالم الجديد والحرب القائمة في العالم للوصول الى عالم متعدد الأقطاب”.
البداية من مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة
تحركت فصائل المقاومة في العراق وسرعت وتيرة عملياتها ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا. الهدف الاساسي للتواجد الأميركي مرتبط بمصالحها على مستوى النفط بالاضافة الى تثبيت قواعدها في هذه البقعة من المنطقة منذ قرابة عشرين عام.
الأثر السلبي الاساسي على المصالح الامريكية في استمرار معركة غزة هو توسيع العمليات عليها بالتزامن مع دخول الادارة الامريكية عام الانتخابات الرئاسية.
اذا عدنا الى سياسة الديمقراطيين في الحكم لوجدناها ذات مواقف ضعيفة خارجيًا، انطلاقًا من الخروج من افغانستان، اعادة التموضع والتراجع في العراق، التردد في اتخاذ موقف خلال الحرب في سوريا، دون ان ننسى التورط في حرب اوكرانيا وتوريط اوروبا معها بذلك.
جميع ما تم ذكره يعني أن الادارة الأمريكية الحالية دخلت مأزق خطير على مستوى الصراع الأمريكي الداخلي، فأي هزيمة للاسرائيلي سيرتد سلبًا على الدور الاميركي في المنطقي، دون ان ننسى ان اي تقدم او نجاح في قطاع غزة لم يُحقق حتى اللحظة.
ايران، روسيا والصين يتحضرون لما بعد المعركة
عند حدوث أى أزمة عالمية تتحرك الدول لتوجيه ضربات مباشرة تسمح بتحقيق مكاسب جيوسياسية على مختلف المستويات. دوليًا، ترتبط ايران ارتباطًا مباشرًا بالصراع في غزة لانها الداعم الاوحد عسكريًا للفصائل الفلسطينية في قضية فلسطين.
على مستوى روسيا، لم يعد أحد يسمع بحرب اوكرانيا، حتى اذا توقفت غدًا المعركة هناك لن يذكرها احد، وهذا يعتبر انتصار لروسيا لعدة اسباب:
1- فشل المشروع الاميركي بالاطاحة بقدرات روسيا على مستوى مشاريع الغاز الاستراتيجية في العالم، خاصة عند توقف معركة اوكرانيا قريبًا بحسب بعض المؤشرات.
2- لم تحقق حرب اوكرانيا اي اضافة لادارة الرئيس الاميركي جو بايدن على المستوى الشعبي وذلك بسبب الاستنزاف الضخم المالي للخزانة الاميركية دون اي قيمة مضافة للشعب الاميركي الذي بات مقتنع بأنه يُستنزف في اوكرانيا.
3- تطور مشاريع الغاز في اسرائيل سيؤدي الى هيمنة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية على غاز المتوسط الذي يشكل تهديد استراتيجي على روسيا، ليس فقط على مستوى الثروات الموجودة داخل البحر المتوسط، بل اوسع من ذلك على مستوى خطوط استراتيجية لمشاريع الغاز في العالم.
على مستوى الصين، تعتبر مشاريع سلاسل التوريد البرية والبحرية إحدى مصالح الصين الاستراتيجية لذلك تعتبر الصين بالحاضر الدائم في المنطقة سواءً بالظاهر او بالسر، وما الدور الذي لعبته على مستوى التقارب السعودي-الايراني إلا خير دليل على اهمية الدور الصين. ا
نطلاقًا منه يشير مصدر سياسي رفيع المستوى إلى أن للصين دور اساسي مهم في ملفات جيوسياسية رئيسية كالحرب في اوكرانيا او الحرب في غزة.
الترابط الجيوسياسي لبناء عالم متعدد الاقطاب
في العنوان الأول تناولنا الواقع الأمريكي الذي اي تدحرج لقدراته سيؤدي الى تدهور اضافي للدولار الذي لا يعيش افضل ايامه عالميًا بعدما خرجت عدة دول لتنتفض على الدولار وتتعامل بعملات اخرى.
لذلك قد نرى دول اضافية توقف تعاملها بالدولار كعملة ثانية وتتجه نحو تبادلات تجارية جديدة بدأت روسيا والصين وايران التحضير لها.
في العنوان الثاني نجد ان محور روسيا-ايران والى جانبهما الصين بات يسحب من الولايات المتحدة الامريكية كل مرة جزء من البساط المالي والسياسي الدولي، مما يعني بأن كل انتكاسة للخارجية الاميركية تفتح الباب نحو العالم الجديد الذي يتجه نحو العالم المتعدد الاقطاب.
ما يحصل في غزة اليوم لم يعد ذات بعد فلسطيني فقط، فالعالم أتى إلى المنطقة لتعزيز معادلات جديدة، جميعها ترتبط بنتيجة الصراع في غزة، وقد يكون احدى نتائجها المباشرة هو التأثير على الاسراع في بناء العالم الجديد العالم المتعدد الاقطاب.
CNA– مقال بقلم،، د.زكريا حمودان، مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والاحصاء في لبنان