مقال .. هل يعود البترول إلى 100 دولار؟
الجواب، بطبيعة الحال، نعم، فليس هناك ما يمنع عودة سعر بيع برميل البترول إلى مستوياته السابقة، فهي مسألة وقت، ليس إلا، والذين يصرحون بغير ذلك، وأحيانا يصرون على حتمية عدم الرجوع إلى 100 دولار وهم كثر، لم يذكروا كيف توصلوا إلى هذه النتيجة، خارج نطاق التخمين.
فإذا استثنينا الظروف العارضة التي تمر بها أسواق البترول من وقت إلى آخر منذ عقود طويلة، فيجب ألا نغفل أنها سوق حرة. فبمجرد انكماش الإمدادات البترولية، قسرا أو طواعية، مع استمرار ارتفاع الطلب، فسوف يؤدي ذلك إلى صعود الأسعار إلى مستويات قياسية. فالحكم على ثبات الأسعار عند المستوى الحالي أو أعلى قليلا أمر لا يؤيده الواقع ولا المنطق.
ولعل استعراض الظروف والمسببات التي أوجدت الوضع الحاضر تساعد على فهم الصورة ولو جزئيا، ومن ثم تعطينا فكرة عن توقعات المستقبل. فالذي حدث، كما هو معلوم لدى الجميع، وجود كمية من الفائض البترولي أقل من مليوني برميل.
وكان من الممكن امتصاص الفائض عن طريق السحب المباشر بموجب اتفاق بين عمالقة المنتجين، وينتهي الأمر لمصلحة الجميع. ولكن، ولأسباب لا تزال مجهولة، لم يحدث شيء من ذلك. وكأن الأمر محسوم من بدايته لمصلحة هبوط الأسعار حتى إشعار آخر. بدليل أن النزول تعدى حدود كل التوقعات التي من المفترض أنها تتناسب مع حجم الفائض.
فقد كانت نسبة الفائض أقل من 2 في المائة من مجموع المعروض. والأسعار هبطت بنسبة تزيد على 50 في المائة. ودخلنا في مجال واسع من “الدربكة” والتناقض الكبير حول آراء المحللين والمراقبين. فالأكثرية سلكوا طريق التفسير المبسط، الذي أخذ الأمور بظواهرها. وافترضوا أن ما حدث هو محاولة لقمع نمو البترول الصخري الأمريكي. ولا تسمع من يتحدث عن شقيقه، الرمل البترولي الكندي الذي يزيد إنتاجه عن مليوني برميل في اليوم.
ويتردد في وسائل الإعلام صدى التصريحات التي تشير إلى أن العامل الرئيس في عدم تخفيض الإنتاج ولو بنسبة متواضعة من أجل حماية هبوط الأسعار هو المحافظة على الحصص. وهو الآخر حكم ظاهري.
ولكن دعونا نحلل الوضعين ونتبين منطقية كل منهما. أهل الاختصاص، والمنتجون من ضمنهم، يدركون أن إنتاج البترول الصخري سيتأثر سلبا بنسبة تتناسب مع مقدار انخفاض الأسعار، ولكنه لن يختفي من الوجود. وهذا ما هو حاصل اليوم فعلا.
ونعلم أيضا أنه بمجرد عودة الأسعار إلى الارتفاع سوف يعود الصخري كما كان، وينطبق عليه المثل الذي يقول: “وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا”. والمنطق نفسه ينطبق على موضوع الاحتفاظ بالحصص على حساب تجنب الهبوط الكبير للأسعار.
فما الذي كسبه المنتجون الذين أبقوا على مستويات إنتاجهم والأسعار تهوي إلى الحضيض؟ الآن الكل يبيع بتروله بأقل من نصف ما كان عليه السعر قبل عام واحد. بينما لو كل منتج خفض إنتاجه بنسبة لا تزيد على 2 في المائة، أو تحمل المنتجون الكبار قدرا أكبر من التخفيض، لوجدتهم اليوم يبيعون بترولهم بضعف السعر الحالي. فالمصدرون خسروا مبالغ هائلة، قد تزيد خلال سنوات قليلة على تريليون دولار. ناهيك عن كميات البترول التي كان من الممكن توفيرها لو تم تخفيض الإنتاج لمصلحة الإبقاء على مستوى الأسعار عند حدها الأعلى.
فهل كان ما نسمعه من خلال وسائل الإعلام صحيحا، أم أن هناك أمورا لم يعلن عنها صراحة؟ وما معنى أن يتحدث أكثر من مسؤول عن احتمالية نزول الأسعار إلى مستويات أدنى من وضعها الحاضر؟ ومن ضد من؟ فنحن في حيرة. ولنترك الجواب للتاريخ.
ونعود إلى عنوان المقال. ففائض الإنتاج الحالي لن يدوم إلى الأبد. ومستويات الإنتاج توحي بأن عامل الزمن يقف لها بالمرصاد، نظرا لأن نسبة كبيرة جدا من الحقول المنتجة تزيد هرما يوما بعد يوم. وإنتاجها مرشح للهبوط الطبيعي وارتفاع التكلفة.
وفي الوقت نفسه، يظل الطلب العالمي في النمو سنويا بنسبة تزيد على مليون برميل. وهذا مما سيتيح للأسعار مجالا للارتفاع المستمر. والذي أوصل الأسعار سابقا إلى ما فوق 100 دولار للبرميل سيسلك الطريق نفسه ويؤدي إلى النتيجة التي أشرنا إليها في أول جملة من المقال. وهناك احتمال آخر وارد. وهو أن دول الإنتاج الكبير ستحس بوطأة نزول الأسعار وضمور الدخل وتعيد حساباتها لمصلحة تنمية اقتصادها إذا وجدت أن تخفيضا بسيطا في الإنتاج سيساعد على إعادة الأسعار إلى مسارها الطبيعي.
وليس من المتيسر اليوم تحديد الزمن الذي ستعود فيه الأمور إلى نوع من الاستقرار السعري، لأن ذلك يعتمد على مدى تحقيق الأهداف التي من أجلها امتنعت الدول المنتِجة عن تخفيض إنتاجها عندما كانت أمام خيار المحافظة على الأسعار أو الحصص. رغم شكنا بجدية أمر الحفاظ على الحصص السوقية.
وسيظل سر عدم اتفاق الدول المنتجة، من “أوبك” ومن خارجها، على تخفيض الإنتاج من أجل تفادي حدوث الخسائر الكبيرة التي تكبدوها ولا يمكن تعويضها، غير واضح لنا. كما أن هناك أيضا شكا في جدية المفاوضات التي جرت آنذاك بين الأطراف الرئيسة حول الموضوع قبل الهبوط الكبير، أم أنها كانت لكسب الوقت!
CNA– مقال بقلم ،، عثمان الخويطر ،، نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً
إقرأ مقالات أخرى للكاتب بجريدة الاقتصادية السعودية