مقال| هل أنقذ “التعويم” الجنيه؟!
لا جدال فى أن تحرير سعر صرف الجنيه قد أدى إلى تراجعه بشكل كبير أمام العملات الأخرى، حيث ارتفع “الدولار” من مستوى 8.88 جنيهًا ( قبل التحرير فى بداية نوفمبر 2016) إلى نحو 17.5 جنيهًا فى الوقت الراهن.. لكن ذلك الإجراء كان له تأثيراته الايجابية التى لا يمكن لأحد أن ينكرها أيضًا، بل إننا يمكن أن نقول أن تحرير سعر الصرف قد أنقذ الجنيه رغم كل ما حدث من انخفاض فى قيمته.
فنتيجة لتحرير سعر الصرف زادت تدفقات النقد الأجنبي للبلاد لتتجاوز 100 مليار دولار حتى الآن، وقد زادت تحويلات المصريين فى الخارج عبر البنوك إلى 24 مليار دولار بعد أن كان أغلب هذه القيمة يذهب إلى السوق السوداء، كما ارتفع الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر، وانكمش عجز الميزان التجارى، وفى نهاية الأمر حدث توازن بين العرض والطلب على العملة بالسوق مما جعلها فى حالة شبه مستقرة تميل إلى التحسن وإن كان بشكل هامشي.
ولو نظرنا إلى دول فى محيطنا تعانى مشكلات اقتصادية كتلك التى كنا نعانيها قبل تحرير العملة .. سنجد أن دولة شقيقة مثل “السودان” ترفض بشكل قاطع تحرير سعر الجنيه السودانى رغم كل الضغوطات الاقتصادية .. فماذا حدث للجنيه السودانى الآن؟ .. إنه يغرق وبدون تعويم .. سعر الدولار أمام الجنيه السودانى الآن وصل إلى ما يربو على 40 جنيهًا فى السوق السوداء .. والبنوك هناك تعانى بشدة .. وأمام ما يحدث اضطرت السلطات السودانية، الشهر الماضى، إلى تخفيض سعر العملة رسميًّا من 6.7 جنيهًا للدولار إلى 18 جنيهًا للدولار، إلا أن ذلك لم يجدى نفعًا.
تعالوا نتذكر ما حدث قبل تحرير سعر الصرف لدينا فى مصر .. حاول البنك المركزي ملاحقة السعر فى السوق السوداء، فخفض سعر العملة مرة وبعدها أخرى وضخ من الاحتياطى لمساندة الجنيه، إلى أن أصبح الاحتياطي وقتها على حد الخطر .. ولم تنفع أيّة تخفيضات مع السوق السوداء التى توحّشت .. حيث ارتفع سعر الدولار إلى ما يقرب من الـ 18 جنيهًا .. فقرر البنك المركزى المواجهة المباشرة مع شركات الصرافة المخالفة للسعر الرسمى وأغلق أبواب العشرات منها فتفشت تجارة السوق السوداء لدى محال المجوهرات وفى الأسواق.
فماذا إذا كان البنك المركزى قد استمر فى سياسة ملاحقة السوق السوداء ولم يحرر سعر الصرف حتى الآن .. لا استبعد أننا كنا سنكون قريبين بما يحدث فى السودان، وأن يصل سعر الدولار إلى مستويات 30 و40 جنيهًا! .. وأن يتآكل الاحتياطى النقدي، وكنا وقتها لن نجد حتى من يقرضنا للمساندة.
دولة مثل “تونس” أيضًا ترفض تحرير سعر الصرف .. ونتيجة لذلك تآكل احتياطي النقد الأجنبى لديها إلى مستوى 9.4 مليار دولار ليغطي فقط 84 يوما من الواردات، وقد أضطّرت الحكومة التونسية إلى إقالة محافظ البنك المركزى نهاية الأسبوع الماضي نتيجة للضغوط وتراجع سعر الدينار وأسباب أخرى تتعلق بتبييض العملات التى هى فى الأساس ناتجة عن أزمة العملة هناك.
CNA– مقال بقلم،، أحمد زغلول، كاتب صحفى متخصص فى الشأن الاقتصادي