مقال .. لهذه الأسباب يبدأ تعافى الاحتياطى النقدى
عدد من الإجراءات المُلفتة للنظر، بدأت الحكومة والبنك المركزى تنفيذها،فى الفترة الأخيرة، أرى أنها تعزز من فرص تعافى الاحتياطى النقدى الذى بلغت قيمته بنهاية نوفمبر الماضى 16.4 مليار دولار،ويغطى 3 شهور و6 أيام واردات سلعية .. هذه الإجراءات ستساهم بقدر كبير فى الأيام القليلة المقبلة فى الضغط على السوق السوداء للعملة،وإعادة قدر كبير من التوازن الذى افتقده الاقتصاد فى فترات ماضية.
ومن بين هذه الإجراءات ،نجاح الحكومة فى انتزاع موافقتين من البنك الدولى والبنك الافريقى للتنمية لتوفير قروض بقيمة اجمالية 4.5 مليار دولار ،وتوقيع الاتفاقات النهائية الخاصة بالقرضين بأسعار فائدة ضئيلة وفترة سداد تقلل من ضغوط سداد الديون على الدولة.. وأهمية التمويلات تتمثل فى أنها توفر سيولة بالنقد الأجنبى تساهم فى إنعاش الاحتياطى النقدى،فى ظل التزام مصر بسداد ديون خارجية خلال يناير المقبل بقيمة تصل إلى 1.7 مليار دولار،منها 700 مليون دولار للدول الأعضاء فى نادى باريس ومليار دولار لدولة قطر.
وإن كانت قيمة التمويلات ستضخ على مراحل إلا أن المتوقع أن تتلقى البلاد خلال الشهر الجارى ما لا يقل عن مليارى دولار من مؤسسات التمويل الدولية المختلفة،وهو ما يعزز من قدرة “المركزى” على سداد التزامات الدولة،دون تأثير على الاحتياطى النقدى.
طارق عامر ،محافظ البنك المركزى،بدوره،كانت له بصمات خلال فترة قصيرة،حيث قاد البنك المركزى لضخ ما يربو على 2.5 مليار دولار للبنوك ،عبارة عن تغطيات دولارية استثنائية، منها 1.5 مليار دولار فى نوفمبر ،ومليار دولار بداية ديسمبر الجارى،وقد استطاعت البنوك من خلال هذه السيولة حل جزء مرضى من مشكلات المستوردين والمستثمرين،الذين واجهوا الكثير من المتاعب لعدم توفر الدولار بالشكل المناسب فى الفترة الماضية.
الأمر لا يتوقف عند ذلك ،لكن التحركات الايجابية شملت تشكيل لجنة لحل مشكلات المستثمرين ورجال الأعمال،يرأسها المهندس شريف اسماعيل ،رئيس مجلس الوزراء ،بعضوية محافظ البنك المركزى،وعدد من الوزراء،إلى جانب رجال أعمال على رأسهم نجيب ساويرس،محمد فريد خميس، وأحمد ابو هشيمة،وتُمثل هذه اللجنة بداية طيبة من الحكومة لفتح صفحة جديدة من التنسيق والتعاون مع رجال الأعمال،وذلك من شأنه الوقوف على احتياجات السوق الحقيقية،والتوصل إلى حلول وصيغ توافق لحل المشكلات العالقة.
ولا شك فى أن هذه اللجنة ستساهم أيضًا بقدر مناسب فى حل جزء من أزمة السيولة بالنقد الأجنبى،لاسيما وأن بعض رجال الأعمال كانوا يرفضون عددًا من الاجراءات منها سقف الايداع الدولارى،ومن خلال اللجنة يمكن التوصل إلى حل يرضى كل الأطراف وينهى حالة الاحتقان، كما يقلل من الآثار السلبية لاتخاذ القرارات من وجهة نظر “منفردة”.
وإلى جانب لجنة حل مشكلات المستثمرين،فإن المجلس التنسيقى للبنك المركزى،جاء ليعزز من فرص تقوية قرارات لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى،وقد أرجأ البنك المركزى نهاية الاسبوع الماضى قرار تحريك سعر الفائدة، إلى الخميس المقبل،وذلك بعد اجتماع المجلس التنسيقى،لتحديد الأولويات والضرورات فى الوقت الراهن،والتعامل مع سعر الفائدة للمساهمة فى دفع الاستقرار للسوق،والتعامل مع سعر الصرف بالشكل اللائق مع المرحلة.
ومن الأمور التى تدعو إلى التفاؤل بالمرحلة المقبلة،هو اختيار كفاءات وخبرات كبيرة لتتولى زمام الأمور فيما يتعلق بملفات السياسة النقدية،و عمليات التفاوض مع المؤسسات الدولية،وعلى رأس هذه الاختيارات محافظ البنك المركزى الجديد طارق عامر،والذى يبثت يومًا بعد الآخر أن فى جعبته الكثير من الحلول للوصول إلى استقرار السوق،وتوفير كافة احتياجاته التمويلية.
كذلك د.سحر نصر،وزيرة التعاون الدولى،التى عملت لفترة طويلة لدى البنك الدولى،وقد أستطاعت فى وقت قصير أن تنجح فى التوقيع على عدد من التمويلات التى ستساعد فى خروج السوق من كبوته.. إلى جانب أعضاء المجلس التنسيقى للسياسة النقدية والذين يتقدمهم د.فاروق العقدة،صاحب الخبرة الطويلة،والمحنك فى التعامل مع الأزمات،ود.محمد العريان،الخبير الاقتصادى الدولى،الذى أدار شركة تربو قيمة أصولها على التريليون دولار،وأثبت كفاءة عالية،ونظرًا لخبرته الكبيرة يطلق عليه “حكيم وول ستريت”،وهو يمثل إضافة قوية للمجلس التنسيقى للسياسة النقدية.
وإضافة إلى الإجراءات الحكومية والإجراءات الخاصة بالبنك المركزى،فهناك تحركات من جانب البنوك،ومن بين هذه الإجراءات نجاح بنك مصر فى الحصول على تمويل من بنوك دولية بقيمة 250 مليون دولار وذلك لتعزيز قدرته على توفير النقد الأجنبى للسوق،وكذلك دراسة البنك الأهلى طرح سندات خارجية بقيمة 600 مليون دولار،وإن كان قد أرجأ الإجراء،إلا أنه بالتعاون مع بنك مصر يقومان بجهود كبيرة فى تنفيذ اتجاهات الدولة فيما يتعلق بتوفير النقد الأجنبى بالشكل المناسب لاستيراد السلع الهامة والضرورية.
ومن المتوقع فى حال الاستمرار بنفس وتيرة العمل، أن يخرج السوق من محنة أزمة الدولار سريعًا،يحدوه أيضًا إجراءات تتخذها الحكومة لإعادة الطيران الروسى والبريطانى إلى مصر سريعًا لانعاش قطاع السياحة الذى يعد ثانى أهم رافد للنقد الأجنبى،ومن المتوقع أن تبدأ روسيا فك حظر الطيران إلى مصر وعودة السياحة فى النصف الثانى من يناير المقبل، بحسب تصريحات المسئولين الروس،وهو ما يعجّل من حل مشكلة السياحة ،ومن ثم توفير مزيد من النقد الأجنبى.
ونخلص مما سبق أن ثمة تحركات إيجابية،ستدفع تجاه استقرار السوق على المدى القصير،لكن المعادلة تتطلب حلولًا جذرية على المدى الطويل، هذه الحلول تتوقف على إنعاش الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر .. السياحة ..التحويلات الخارجية،والتصدير.. فما تقوم به الدولة فى الوقت الراهن معركة فُرضت عليها،تخرج منها إلى معركة أكبر،وهى معركة الإصلاح لكافة القطاعات الاقتصادية.
CNA– بقلم ،، أحمد زغلول ،، كاتب صحفى