مقال| صناعة الإقطاع العقاري
تختلف ثورة 23 يوليو 1952 عن ثورة 25 يناير 2011 فى أن الأولى قد قام رجالها من الضباط الأحرار بالسيطرة على مقاليد الحكم والبدء فوراً فى تنفيذ أهداف ومبادئ الثورة الستة.
بينما الثانية كانت ثورة شعب فجرها الشباب أولاً ثم شاركت فيها جميع طبقات وفئات الشعب المصرى ولم يكن لها هيكل تنظيمى واضح يسعى للسيطرة على مقاليد الحكم، بل كانت تهدف إلى الحرية والكرامة والإطاحة بالنظام السياسى الفاسد، ويفسر ذلك تأخر تنفيذ الإصلاح الشامل والتغيير الهيكلى الذى ترجوه لأنها ثورة شعب و ليست ثورة تنظيم عسكرى سري منظم.
لذلك قد يستغرق بناء الدولة الحديثة ، دولة العدالة الإجتماعية وقتًا طويلًا. فقد سارعت ثورة 23 يوليو بتنفيذ أحد أهم أهدافها وبسرعة بالقضاء على الإقطاع وأصدرت قانون الإصلاح الزراعى والذى تبدد فى نظام حسنى مبارك الذى ألغى تحديد الملكية الزراعية وقضى على قانون الإصلاح الزراعى تمامًا وعدنا للإقطاع من جديد.
ولكن الإقطاع الذى أتى به نظام حسنى مبارك شمل جميع أنواع الملكيات و الثروات سواء فى الزراعة أو فى الصناعة أو فى السياحة أو فى العقارات لدرجة أن حوالى ما يقرب من مائتى أسرة أصبحوا يسيطرون على مفاصل إقتصاد مصر، وهذه الأسر الإقطاعية لا تخلوا من الفساد بطبيعة الحال.
ولعل من أبشع صور الإقطاع التى أفرزها نظام حتى مبارك الإقطاع فى الثروات العقارية الذى أدى إلى سقوط ملايين المصريين من حسابات الدولة فإتجهوا للعيش فى المقابر و العشوائيات التى تعد بمثابة بؤر صديدية لإفراز كل الجراثيم فى المجتمع من إرهاب و عنف وتطرف وجريمة ودعارة ومخدرات وتجارة بالأعضاء البشرية ، وما إلى ذلك من جرائم باتت تهدد أمن المجتمع القومى المصرى بمعناه الواسع.
فقد قام هذا النظام بإطلاق العنان للإحتكارات فى الصناعة العقارية بدءاً من تخصيص الأراضى وحديد التسليح والأسمنت و إنتهاءاً بفساد المحليات الذى يلازم إصدار تراخيص البناء ، وعرفت مصر ظاهرة إنهيار العقارات بسبب الجشع وخراب الذمم بشكل لم يسبق له مثيل فى أى من دول العالم سواء الأول أو الثالث.
وقام بعض الوزراء من رجال الأعمال المباركيين بإشعال أسعار العقارات بأن سمحوا ببيع أراضى الدولة بالمزاد العلنى، مما أدى إلى إرتفاع أسعار الوحدات السكنية إلى أسعار فلكية.
وفى نفس الوقت وعلى النقيض تمامًا قاموا بمنح أراضى الدولة بأسعار متدنية وبمساحات شاسعة جداً للنخبة الحاكمة من أعضاء الحزب اللاوطنى المنحل وللوزراء و للمحافظين ولجميع أصحاب الحظوة ، حيث بلغ سعر بيع متر الأرض عدة قروش و تم إعادة بيعها للجمهور بعد ذلك بعدة آلاف ، بالإضافة إلى السماح للعرب بتملك الأراضى وبمساحات شاسعة ، وأحد هؤلاء العرب حصل على أرض تعادل مساحة محافظة مصرية بالكامل على أنها أرض للزراعة سيقوم بإستصلاحها ، ولكنه قام ببيعها كأراضى للبناء وبسعر خرافى جدًا.
وتحول طريق الإسكندرية القاهرة الصحراوى وطريق الإسماعلية الصحراوى وكافة طرق مصر إلى عزب عقارية و إقطاع عقارى متوحش وسافر وإنسحبت الدولة تماماً من المشهد ليصل كل من معدل العنوسة و الطلاق فى مصر إلى ذروته.
وساهمت التشريعات التى أصدرتها دولة فسادستان فى تعميق كارثة الإسكان فى مصر، فإنعدم عرض الشقق للإيجار بعد ما أصدرت قانون الإيجار الجديد ، حيث يصل إيجار الشقة المتواضعة إلى ألفين جنيه فى الشهر، والطامة الكبرى نظام بيع الشقق بالتمليك أو إتحاد الملاك أو إتحاد الشاغلين و الله أعلم ما أسمه الآن ليصبح العقار بدون مالك و لا صاحب إلا “الكحول” !! المالك الصورى ، فضلاّ عن ملايين الوحدات السكنية المغلقة والتى بلغت 12 مليون وحدة مغلقة طبقًا لأحدث إحصاء وتعداد رسمى منشور عام 2017 !!.
وهكذا صنعت دولة الفساد الإقطاع العقارى والذى نأمل أن يصدر قانون يعالج هذا الإرث القبيح بصيع بسيطة، على سبيل المثال أن تقدم الدولة الأرض لمن يريد البناء بنظام حق الإنتفاع مع تزويدها بالمرافق و تحصل الدولة مقابل ذلك على نصف الوحدات السكنية وغير السكنية وعلى أن يتم تسعيرها من جانب الدولة، وإستحداث نظم التأجير التمليكى ، وهو عبارة عن نظام إيجارى ينتهى بتملك الوحدة السكنية.
بيد أن الخطوة الأولى لإبادة الإقطاع العقارى إحالة هؤلاء الإقطاعيين لمكافحة التهرب الضريبى و الكسب غير المشروع ، فبرغم المليارات التى جنوها فعليأ فهم متهربون من الضرائب ، وذلك لأخذ حق المجتمع منهم أولاً ، ولتوفير مصدر تمويلى كاف لنسف العشوائيات.
وثايناً وأخيراً أن تقوم البنوك العقارية بدورها فى قطاع الإسكان وتكف عن منح قروض التجزئة المصرفية وتمويل السيارات و الشاليهات وتعود إلى القيام بدورها الذى أنئشت من أجله طبقاّ لسند إنئشائها ، وذلك فى ظل قانون تمويل عقارى حقيقى وليس قانون التمويل العقارى الحالى الفاشل الذى يضيف إلى ثمن الوحدة السكنية أكثر من ثمنها فوائد ومصاريف وخلافه!.
ولا يخفى على أحد المحاولات المستميتة التى يقوم بها بعض المنتفعين حالياّ لإلغاء قانون العقارات القديمة و إلقاء السكان فى الشارع ، تارة بدعوى تدنى قيمة الإيجارات ، وتارة أخرى بدعوى مخالفة عقود الإيجار القديمة للشريعة الإسلامية!، فالشريعة الإسلامية أشرف من أن تلقى بحوالى 40% من سكان مصر فى الشارع ليربح هؤلاء المنتفعين المليارات!!.
وتناسى هؤلاء الملاك أنهم قد تقاضوا أثمان هذه الشقق فى صورة خلو رجل من السكان عند تحرير هذه العقود بالمخالفة للقانون و للشريعة أيضاّ ، إنها شريعة الغاب التى يريدون فرضها بإسم الدين ، والدين منهم براء. حكمة مازحة
من هم الإقطاعيون العقاريون؟ .. هم مماليك مدينتى فسادستان و نهب أباد!!
CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفي، الكاتب والخبير المصرفي