مقال .. شبح التعثر يهدد مشروعاتنا القومية والخطأ واحد
مشروع المليون وحدة سكنية ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة مشروعات قومية عملاقة من حيث الفكرة ولكن عند تنفيذها ،ومع الأسف تواجه نفس المصير، وهو التعثر والتوقف ولنفس السبب وهو قيام الحكومة بإسناد تنفيذ هذه المشروعات القومية بالأمر المباشر لمستثمر واحد أجنبي وكيف للحكومة أن تكرر نفس الخطأ مرتين في أكبر مشروعين قوميين تم طرحهم في الفترة الأخيرة.
وسأبدأ بمشروع إنشاء “المليون وحدة سكنية” وهو إنشاء مليون وحدة سكنية لمحدودي الدخل في 13 موقعاً في 10 محافظات على عدة مراحل تمتد إلي خمس سنوات وتبلغ تكلفة التنفيذ 280 مليار جنيه مصري مايعادل 40 مليار دولار أمريكي وتبلغ المساحة الإجمالية للأرض التي سيقام عليها المشروع 160 مليون متر مربع في محافظات القاهرة والإسكندرية والمنوفية والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر.
وقامت الحكومة بإسناد تنفيذ هذا المشروع بالأمر المباشر لمستثمر واحد أجنبي وهي شركة “أرابتك الإماراتية” وهو الأمر الذي أدى إلي تعثر المشروع وتوقفه، حيث عندما بدأت الحكومة الإتفاق مع الشركة الإماراتية لتوقيع العقود لبدء التنفيذ لم تلتزم الشركة الامارتية بما تم الاتفاق عليه بقيامها بتوفير تكاليف المشروع والبالغة 40 مليار دولار أمريكي عن طريق تمويل خارجي والتي تعد الميزة الوحيدة التي تمتلكها الشركة الأماراتية بهدف ضخ سيولة في السوق المصرية.
وكذلك لم تلتزم بأن تكون مواد البناء التي ستستخدم لإنشاء المشروع من شركات مصرية، حيث طلبت الشركة الإماراتية توفير تمويل محلي لتكاليف تنفيذ المشروع من خلال قروض من البنوك المصرية واستيراد مواد البناء من أسواق أجنبية، وهو ما رفضته الحكومة المصرية لتتعثر المفاوضات ويتوقف المشروع لحين بحث الحكومة عن مستثمر أخر.
ولم يختلف الحال كثيراً للمشروع العملاق لإنشاء “العاصمة الإدارية الجديدة” وهو الحلم الذي يداعب المصريين لمستقبل مختلف عما نعيشه الأن داخل القاهرة، وستقع العاصمة الجديدة فى المساحة بين القــاهرة وساحل البحــر الاحمر على مساحة هائلة تزيد عن 700 كيلومتر مربع وسيكون لديها منافذ بحرية.
ومن المخطط أن تضم بحد أدنى 5 مليون مواطن وستضم كافة المقرّات الرسمية المصرية من مبنى الرئاسة والبرلمان والحكومة والوزارات والسفارات والتى ستنتقل إليها من العاصمة الحالية القاهرة، ومن المتوقع أن يستغرق إنشاء المرحلة الأولى من المشروع 10 سنوات بتكلفة استثمارية تبلغ حوالي 45 مليار دولار وتبلغ مساحة المرحلة الأولى 135 كيلومترا من إجمالى 700 كيلومتر للمدينة بالكامل.
وقامت الحكومة أيضاً بإسناد تنفيذ هذا المشروع بالأمر المباشر لمستثمر واحد أجنبي وبشخصه ! وهو المستثمر الإماراتي “العبار” والذي أسس بعد ذلك شركة “كابيتال سيتي بارتنرز” الاماراتية لإنشاء هذا المشروع وتم توقيع مذكرة التفاهم معه للتنفيذ على هامش مؤتمر شرم الشيخ وهو الأمر الذي أدى إلي تعثر المشروع.
حيث عندما بدأت الحكومة الإتفاق مع المستثمر الإماراتي لتوقيع العقود لبدء التنفيذ لم تلتزم الشركة الامارتية بما تم الاتفاق عليه والوعود التى أعلنتها بتوفير تكاليف تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع والبالغة 45 مليار دولار أمريكي عن طريق تمويل خارجي والتي تعد الميزة الوحيدة التي تمتلكها الشركة الأماراتية بهدف ضخ سيولة في السوق المصرية.
وطلبت الشركة الإماراتية توفير تمويل محلي من خلال قيام البنوك المصرية بتمويل تكاليف المشروع في الوقت الذي رفض فيه المستثمر الاماراتي تقديم أية ضمانات لهذه القروض من خلاله أو من خلال شركاته العاملة في مصر، وهو ما رفضته الحكومة المصرية لتتعثر المفاوضات ويتوقف المشروع لحين بحث الحكومة عن مستثمر أخر.
ومن وجهة نظري أرى أن قيام الحكومة بإلغاء مذكرات التفاهم في مشروع “المليون وحدة سكنية” ومشروع “العاصمة الإدارية الجديدة” في حالة صحة هذه الأخبار هو قرار صائب حيث أنني أرى أن الميزة الوحيدة والدور الرئيسي للشركة الأماراتية في المشروعين هو توفير تمويل خارجي لتمويل تكلفة المشروعات عن طريق تمويل خارجي بهدف ضخ سيولة من الدولار الأمريكي في السوق المصرية.
وبما أن الشريك الإماراتي في المشروعين عجز عن ذلك بل بالعكس يطلب أن يتم تمويله من مصادر تمويلية محلية من خلال قروض من البنوك المصرية فإن الدور الرئيسي للشريك الإماراتي لم يعد موجوداً لذلك وجب إنهاء هذا الأتفاق.
ولكن يدفعنا ذلك للعودة للبداية منذ أن قامت الحكومة بالتفكير في هذه المشروعات العملاقة وحينما بدأت في اتخاذ الإجراءات لتنفيذها قامت بإسناد هذه المشروعات القومية لمستثمر واحد أجنبي والذي يعد خطأ كبير تسبب في تعثر وتوقف هذه المشروعات وأدى إلي أن تقوم هذه الشركات بإملاء شروطها علينا وتسبب في إحراج كبير للحكومة المصرية بإلغاء مذكرات التفاهم سواء أمام العالم أو أمام الرآي العام وتسبب في ضياع الكثير من الوقت.
ووضعنا ذلك أمام طريقين كلاهما صعب الأول هو أن يتم صرف النظر عن تنفيذ هذه المشروعات وسيكون لذلك أثار سلبية كبيرة، أما الثاني فسيحتاج لإعادة تخطيط هذه المشروعات ووضع آليات جديده لتنفيذه والبحث عن مستثمرين والذي سيستغرق مالايقل عن عام ليضيع مزيداً من الوقت وفي النهاية يجب أن نعلم أننا الخاسرون في كلا الطريقين والسبب هو القرار الخاطىء منذ البداية بإسناد تنفيذ هذه المشروعات القومية لمستثمر واحد أجنبي.
وأرى أننا ليس لنا خيار سوى تنفيذ هذه المشروعات القومية بأيدينا لأننا لم نعد نمتلك رفاهية الاختيار، وأقترح أن يتم تنفيذ مشروع “المليون وحدة سكنية” ومشروع “العاصمة الإدارية الجديدة” من خلال طرح مناقصة عالمية لتحالفات محلية – عالمية لإعداد المخطط العام لها بجميع مراحلها ثم يتم إعادة طرح تنفيذ هذه المشروعات وتمويلها على تحالفات بين شركات الاستثمار العقارى المحلية والعالمية ودون إسناده لشركة واحدة على أن يتم التنفيذ بالشراكة مع الحكومة المصرية بحيث تدخل الحكومة بملكيتها لأراضي هذه المشروعات على أن يقوم تحالف الشركات بدور المطور العقاري بحيث يقوم بالتنفيذ والتسويق وتوفير التمويل لتكلفة التنفيذ مقابل حصوله على نسبة دون أن يمتلك أراضى المشروع والتى ستظل الدولة محتفظة بها.
وفي النهاية يجب أن نعلم أن تعثر هذه المشروعات وتوقفها بعد أن تم الإعلان والترويج لهم محلياً وعالمياً لن يكون في مصلحة الجميع فإدركوا الأخطاء من خلال رؤية مختلفة لتنفيذ تلك المشروعات القومية بأيدينا دون تكرار هذا الخطأ فيما هو قادم وألا تضعوا مشروعاتنا القومية في يد مستثمر أجنبي واحد يعرضها للتعثر والتوقف.
بقلم – محمد رضا ، المحلل المالي والاقتصادي لأسواق المال والاقتصاد