مقال| توريق الديون المصرفية
كثر الحديث عن التوريق securitization فى أعقاب الأزمة المالية العالمية طبعة 2008 على أنه أحد أهم الأسباب التى أدت إلى هذه الأزمة، ولاشك أن التوريق لم يكن السبب المباشر فى الأزمة المالية ذاتها، بل كان السبب الرئيسى الذى أدى إلى إنتشار الأزمة فى الأسواق المالية والمصرفية العالمية برمتها، وذلك إعمالاً لوظيفة التوريق الأساسية فى تحويل المخاطر.
حيث يحول البنك المورق المخاطر إلى أطراف أخرى هم حائزو السندات المورقة، بيد أن السبب المباشر للأزمة المالية العالمية ببساطة شديدة يرجع إلى إهدار قواعد منح الأئتمان المصرفى الحصيف ليس إلا، وذلك دون الدخول فى تحليلات وفى تفاصيل معقدة لا طائل من ورائها إلا تشتيت القارئ.
وتلجأ البنوك إلى توريق محافظها الائتمانية لسببين رئيسيين هما:-
- تحويل الخطر.
- الحصول على التمويل الفورى.
حيث يحقق التوريق للبنك المورق لجزء من محفظته الائتمانية تحويل المخاطر لطرف آخر هم حائزو السندات المورقة، حيث يقوم البنك بتوريق جزء من محفظته الائتمانية، أى بتحويلها إلى سندات يتم طرحها فى الأسواق المالية ويكون للمشترين لهذه السندات الحقوق فى كافة ضمانات الجزء المورق من المحفظة، أى بضمانها.
ويحصل البنك على حصيلة بيع السندات المورقة مقابل تحويل حقوقه فيها إلى حائزى السندات المورقة، وهكذا فإن البنك المورق يحصل على التمويل المتمثل فى حصيلة بيع السندات المورقة عاجلاّ بدلاً من أن ينتظر حتى حلول آجال إستحقاق أرصدة المحفظة الائتمانية ليقوم العملاء بسداد هذه الأرصده للبنك، حيث يكون البنك قد حصل على تمويل معجل مقابل تحويل كافة حقوقه فى المحفظة الائتمانية المورقة إلى حائزى السندات.
وهكذا يحقق التوريق بالنسبة للبنك المورق وظيفيتين فى غاية الأهمية هما تحويل الخطر لطرف اّخر و الحصول على التمويل المعجل، لذلك فإن البعض يصف التوريق بأنه رئة تمويلية للبنك تتيح له الحصول على الأموال الفورية.
وتكون عملية التوريق ، بمثابة توريق داخلى إذا ما قام البنك المورق بنفسه بعملية التوريق، كما تعد بمثابة عملية توريق خارجى إذا ما عهد البنك إلى بنك أخر أو إلى شركة توريق للقيام بتوريق جزء من محفظته الائتمانية.
وبهذا الأسلوب تسمى عملية التوريق توريق تقليدى، وتطور التوريق تطوراّ كبيراً وبات يتضمن عمليات التوريق المركبة التى تتضمن مجمع سندات مورقة وأيضاً عمليات إعادة التوريق ضمن ما يسمى بالمبتكرات المالية التى تتضمن فى طياتها قدراً كبيراً من الخداع المالى.
وتكمن المخاطر الكبيرة المصاحبة لعمليات التوريق هذه فى أنها تنطوى على عملية مؤداها الإتجار فى الديون، فنكون بصدد مدين واحد هو العميل الأصلى المدين للبنك المورق الذى قام بتحويل ديونه إلى سندات لدائنين اّخرين هم حملة السندات المورقة , و بذلك يتعدد الدائنيىن للمدين الأصلى أو الأول ( و هما البنك المورق وحاملى السندات المورقة ).
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد يتطور بإضافة دائن ثالث لنفس المدين الوحيد الأصلى أو الأول ,إذا ما قام حامل السند المورق برهنه لبنك آخر والإقتراض بضمانه، عندئذ يصبح هذا البنك الدائن المرتهن للسند المورق بمثابة الدائن الثالث، فإذا ما تعثر المدين الأصلى الوحيد موضوع المحفظة الائتمانية المورقة فإن الفشل المالى يلحق بكافة أطراف عملية التوريق برمتها، والتى تنهار تماما مثل لعبة الدومينو التى تنهار جميع قطعها المرصوصة صفاّ واحداّ إذا إنهارت أى قطعة فيها , لذلك وصفت الصحافة الإقتصادية العالمية عمليات التوريق الفاشلة إبان الأزمة المالية العالمية طبعة 2008 بلعبة الدومينو.
وهذا ما حدث بالفعل فى الأزمة المالية العالمية، حيث قامت البنوك الأمريكية بتوريق محافظها الائتمانية الرديئة و دون المستوى وطرحتها فى صورة سندات حصلت على تصنيف إئتمانى مرتفع بفضل وكالات التصنيف– عفواّ التدليس – الإئتمانى التى لم يكن يراقبها أحد- ومازالت- وهكذا تم تصدير الأزمة إلى كافة أسواق المال العالمية والإقليمية.
ومن الناحية القانونية يتعارض التوريق مع حق المدين فى أن يكون دينه المصرفى للبنك ديناّ شخصياً وقاصراً فقط على البنك المانح ، هذا إذا ما كان للمدين حقوقاً فى عالم المال و الأعمال, و لا سيما صغار المدينين , حيث تتم عملية التوريق بدون علم و بدون موافقة العميل المدين المقترض من البنك و الذى يقوم بتوريق دينه بتحويله إلى سندات لدائنين اّخرين فى غفلة منه.
ومن هنا تتضح بجلاء الحكمة من تحريم الإقتصاد الإسلامى لتجارة الديون، لكن لمن يعقل ويعى ويدرك!!
حكمة مازحة
ما الفرق بين التوريق والثلاث ورقات؟؟
مجرد ورقة واحدة تسمى سند مورق!!
CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفى، خبير مصرفى و كاتب له عدة مؤلفات فى البنوك و الاقتصاد