مقال .. تخارُج بنك باركليز من مصر .. الأسباب والتأثيرات
أثار إعلان بنك باركليز البريطانى عن اعتزامه التخارج من السوق المصرى اللغط فى الأوساط الاقتصادية (لاسيما وأن البنك يعمل فى مصر منذ ما يربو على الثلاثين عامًا) وما زاد من حدة اللغط هى الظروف الاقتصادية التى تعانى منها البلاد،والتى جعلت البعض يستنتج أن التخارج بمثابة “انسحاب” للهرب من مشكلات تواجه المصرف بالسوق المحلّية،وقد دفع الأمر بعض النواب للمطالبة باستجواب محافظ البنك المركزى والحكومة.
إلا أن الحقيقة لها أبعاد مختلفة،لا تتعلق بالسوق المصرى، أوالجهاز المصرفى بالبلاد ،والدليل على ذلك هو أن قرار التخارج جاء فى وقت تحقق فيه وحدة بنك باركليز بمصر أرباحًا سنوية تقترب من 500 مليون جنيه ،وهو رقم ليس بضئيل بالنسبة لبنك فى حجمه،كما أن كافة البنوك العاملة بالسوق حققت أرباحًا كبيرة طيلة السنوات الماضية برغم الظروف الاقتصادية الصعبة لكثير من القطاعات.
آداء المجموعة الأم
لكن وبالنظر إلى وضع المجموعة الأم ،سيتكشّف أمامنا السبب الرئيسى فى التخارج .. حيث تعانى مجموعة باركليز من مشكلات ضخمة نظرًا لتهاوى أرباحها بشدة مع انكماش الأوضاع الاقتصادية فى أوروبا والعالم،إضافة إلى مواجهة البنك مشكلات تتعلق بسداده غرامات كبرى بمنطقة الاتحاد الاوروبى نظرًا لتلاعبات اقترفها فى حق عملائه،وهو أيضًا ما قلل من ثقة العملاء به فى عدد من الدول.
ومن ثم فإن ما يقوم به البنك هو إجراء انكماشى ،لن يطال وحدته فى مصر فقط بل أغلب وحداته بأفريقيا.. وعرض هذه الوحدات للبيع إنما لهدف أساسى هو تحقيق سيولة يتمكن من خلالها مواجهة الأعباء الاضافية التى فرضتها عليه ظروف الاقتصاد العالمى وانكماش أرباحه،ويعانى البنك من ارتفاع نسبة التكاليف إلى الإيرادات من 97 % بداية العام الماضى إلى 109 % حاليا.
وقد أعلنت مجموعة بنك باركليز ،مع بداية العام الجارى ،عن هبوط الأرباح بأكثر من 56 % خلال الربع الأخير من العام الماضى لتصل إلى 247 مليون جنيه استيرلينى ( 344 مليون دولار) قبل خصم الضرائب وتكاليف إعادة الهيكلة.
وذكرت وكالة بلومبرج، أن البنك أعلن عن عزمه بيع حصته البالغة 62 % فى فرع بنك باركليز جنوب أفريقيا على مدار السنتين إلى الثلاث سنوات القادمة، لتقليل التكاليف ،وهبطت أسهم البنك بنحو 38 % خلال العام المنقضى.
كما كان البنك قد أُلزم بدفع غرامة مالية قدرها 50 مليون دولار، كتسوية لاتهامات وجهت له للتلاعب بتداولات العملات على حساب مصالح عملائه.
وكان”جيس ستالي” ، الرئيس التنفيذي لمجموعة باركليز العالمية، قد أكد أن المجموعة تعتزم بيع بنك باركليز مصر وبعض من وحدات الأعمال في الأسواق الأخرى بكلٍ من أفريقيا وأوروبا وذلك بهدف إعادة التركيز على مجموعة أعمال أكثر بساطة في قطاعات التجزئة والشركات والاستثمار كجزء من عمليات التحديث لاستراتيجية بنك باركليز بي.ال.سي.
العلامات التجارية الأوربية تغيب عن مصر
والجدير بالذكر أن بنوك “بى إن بى باريبا” و” بيريوس – مصر” و”سوسيتيه جنرال” ،وهى بنوك أوروبية، قد تخارجت من السوق خلال العامين الماضيين،وذلك يعود بشكل أساسى إلى ذات الأسباب التى تدفع الآن بنك باركليز إلى مغادرة السوق بعد أن قضى بها 30 عامًأ استطاع خلالها حفر علامته التجارية بين المتعاملين المصريين.
لكن ما يجب الإشارة إليه هنا هو أنه عند خروج هذه البنوك،أقدمت مصارف كبرى تمتلك الملاءة المالية المناسبة للمنافسة من أجل الاستحواذ على وحداتها بالسوق،وتطوير حجم أعمالها بشكل عام والتوسع بمعدلات أكبر،وقد استحوذ على “بيروس مصر” بنك الأهلى الكويتى، كما استحوذ على “بى إن بى باريبا” بنك الاتحاد الوطنى الاماراتى، كذلك فقد استحوذ بنك قطر الوطنى الأهلى على بنك الاهلى سوسيتيه جنرال الفرنسى.
تنوّع الجهاز المصرفى
ورغم أن خروج البنوك الأوروبية من السوق المصرية يفقدها بريق التنوع، وخبرات فى تطوير العمل وتأهيل العاملين واستنباط منتجات مصرفية مبتكرة ،إلا أن القطاع المصرفى المصرى فى الوقت الراهن أصبح فى مرحلة نضج.
حيث قامت كافة البنوك فى السنوات الماضية بتطوير أنظمة العمل بها، وتدريب العاملين على أحدث الوسائل التكنولوجية ،إلى جانب أن البنوك العربية التى استحوذت على المصارف الأوروبية بالسوق تمتلك هى الأخرى الخبرات الكبيرة، إلى جانب الملاءة المالية المرتفعة التى تعظّم من دورها فى السوق المصرى.
حركة الاستثمار
وبرغم أن حركة الاستثمار فى السوق المصرى تعانى فى الفترة الاخيرة،إلا أن القطاع المصرفى لازال جاذبًا بقوة للاستثمار،وهناك مؤسسات مالية كبرى تبحث لها عن موطىء قدم فى السوق،الذى يتّسم بالاستقرار والنمو المستمر،حيث أن التوقعات تشير إلى أن نمو القطاع المصرفى خلال العام الجارى سيسجل 15%،وهى من أعلى النسب بالمنطقة.
CNA– مقال بقلم ،، أحمد زغلول (كاتب صحفى متخصص فى الشأن الاقتصادى)