مقال| الديون السيادية وآلية الخزانة الموحدة
لقد باتت الديون السيادية بمثابة أزمة مالية عالمية يعانى منها العالم شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ، ولم تفلت حتى الدول الغنية من براثن هذه الأزمة التى أصبحت تهدد المستقبل الإقتصادى للعالم بأسره ، لأن تفجر أزمة مالية فى دولة ما يؤثر على شركائها التجاريين سلباً، وهكذا تمتد آثار وظلال الأزمات المحلية من المستوى المحلى إلى المستوى العالمى.
وتتلخص أزمة الديون السيادية فى عجز الحكومات فى الدول المختلفة على السيطرة على عجز الموازنة العامة لسنوات أو ربما لعقود طويلة، ولجوء هذه الحكومات إلى الإقتراض الداخلى والخارجى سنوياً لتغطية عجز الموازنة الذى تراكم بمرور السنوات ليترجم إلى مستويات مرتفعة فى الدين العام الذى تفاقم بدوره أيضاً متجاوزاّ قيمة الناتج القومى الإجمالى فى عدة دول.
فعندما يصل الدين العام إلى 100% من الناتج القومى فإن الدولة تكون على حافة الإفلاس والإنهيار المالى والإقتصادى لأن كل جنيه من الناتج القومى يكون محملاً بجنيه مماثل من الديون السيادية التى إقترضها الحكومة لمباشرة وظائفها فى التخريب المالى والإقتصادى أو بعبارة أخرى أن الناتج القومى يكون مهدداُ ومرهوناً بحجم مماثل من الديون السيادية ، ونظرياً تكون صافى قيمة الناتج القومى ناقصاّ الديون السيادية تساوى صفر لأنه بالكامل غارق فى الديون السيادية.
ولقد تفاقمت أزمة الديون السيادية بسبب إفراط الحكومات فى الإقتراض الداخلى والخارجى بدرجة أكبر من قدرة كل من مواردها المالية و الإقتصادية على خدمة هذه الديون ، وبذلك تخطت الحكومات وتجاوزت الحدود الآمنة للإقتراض والذى يتلخص فى عدم تجاوز الدين العام لـ60% من الناتج القومى وعدم تجاوز عجز الموازنة 3% من الناتج القومى وفقاً لإتفاقية ماستريخت التى أسفرت عن الوحدة الإقتصادية الأوربية ، ومع هذا فإن عدة دول أوربية أهمها اليونان والبرتغال وأسبانيا وفرنسا قد تجاوزت هذه الحدود الأمنة للإقتراض السيادى منذ عدة سنوات ، ويحاول الإتحاد الأوربى جاهداً تقديم المزيد من المساعدات والقروض لهذه الدول لعلاج أزمة الديون السيادية الأوربية للمحافظة على عدم إنهيار كتلة اليورو، ومن ثم إنهيار الإتحاد الأوروبى ككيان إقتصادى وليد ينافس الولايات المتحدة واليابان والصين على كعكة التجارة الدولية والريادة العالمية للإقتصاد ، وبرغم القروض الجديدة والسخية التى قدمها الإتحاد الأوروبى لأعضائه من الدول المتعثرة ، إلا أنه هذه القروض لم تفلح فى إقالة هذه الدول من عثرتها المالية حتى الآن، ومازالت تطالب الحكومات المتعثرة بمزيد من إجراءات التقشف والإصلاح المالى والضريبى مقابل الحصول على حزم جديدة من القروض.
وإزاء هذا الفشل فى إحتواء الديون السيادية الأوروبية برز على الساحة الإقتصادية والسياسية إقتراح لإنشاء وزارة خزانة أو مالية موحدة فى دول منطقة اليورو للسيطرة على عجز الموازنة والدين العام داخل دول كتلة اليورو.
وبرغم أن هذا الإقتراح مازال فى طور المناقشة والدراسة، إلا أن وزارة الخزانة الموحدة المقترحة لن تكون بمثابة وزارة خزانة مجمعة بالمفهوم المادى و الإدارى للوزارة ، فلن تصب إيرادات دول كتلة اليورو فى هذه الوزارة ، كما لن تقوم بإقرار مصروفات الدول إعمالاً لمبدأ وحدة الموازنة ، لكنها سوف تكون بمثابة وزارة معايير ترسى قواعد الموازنة داخل دول الكتلة وتفرض عقوبات رادعة على أى دولة لا تلتزم بمعايير الموازنة الموحدة داخل كتلة اليورو.
وبرغم وجاهة الفكرة ، فإنها لن تكون ذات جدوى كبيرة لأنها لن تختلف كثيراً عن معايير ماستريخت من جهة ، ومن جهة أخرى فإن لكل دولة من دول كتلة اليورو هيكل إقتصادى ومالى مختلف عن الدول الأخرى ، لذلك لن تنجح معايير الموازنة الموحدة فى مراعاة الخصوصية الإقتصادية والمالية لكل دولة لإختلاف درجة التطور والتقدم الإقتصادى من دولة لأخرى داخل دول كتلة اليورو، فضلاً إختلاف طبيعة مشكلات كل إقتصاد عن الإقتصاد الآخر، فما يصلح لليونان لن يصلح لأسبانبا، وبالطبع لن يصلح لفرنسا من جهة , ومن جهة أخرى فقد تعقد الوضع الإقتصادى والمالى داخل الإتحاد الأوربى بخروج بريطانيا المفاجئ و المدوى منه , ليفقد الإتحاد الأوربى الإقتصاد البريطانى أحد أكبر الإقتصادات القوية و المؤثرة.
وآخيراً وبعيدًا عن كل من الاقتصاد والسياسة المالية، فإن الإفراط فى أى شئ عواقبه وخيمة ، فما بالك بالإفراط فى الديون سواء على مستوى الفرد و الدول!!
حكمة مازحة
لماذا أفرط العالم فى الديون؟؟
ليتذوق نعيم المنح و المساعدات!!
CNA– أحمد الألفى، كاتب وخبير مصرفى