مقال| الديون الحميدة.. والاستثمارات الخبيثة
لا أكتب مقالي هذا دفاعًا أو تشجيعًا للاستدانة غير المدروسة.. فالديون عبء ثقيل.. وما لم تكن لهدف ذي جدوى للاقتصاد، وفي حدود مقبولة، فإنها حتمًا ستدفع المُستدين إلى آتون التعثر والأزمات.
لكن في الوقت نفسه، أرى أن النظرة السائدة بين المواطنين في بلدنا هي رفض الاستدانة والقلق الزائد حيال أيّة قروض تحصل عليها الدولة.. بل إن هناك بعض الاقتصاديين قد اعتادوا على توجيه اللوم وإظهار الكثير من الحنق في وجه الحكومة لقيامها بالاقتراض وعدم جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.. فالاستثمار الأجنبي، في وجهة نظرهم، هو الحل لأزمات الاقتصاد، في ظل وجود فجوة بين المدخرات وحاجة الدولة للتنمية والاستثمار.
وبين التشدد في رفض الاقتراض.. وفتح الأذرع ترحيبًا بكل استثمار أجنبي، تكمن الاشكالية التي لابد من توضيح أبعادها لكي نصل إلى رؤية قد تكون مغايرة للطرح الذي يروج له كثيرون ويؤمنون به.
وأول الأبعاد التي لابد من ايضاحها هو أنه كما أن للاقتراض تكلفة وأقساط لابد أن تسددها الدولة وتمثل عبئًا، فإن للاستثمار الأجنبي تكلفة أيضًا ولابد من الوفاء بها، هذه التكلفة تتمثل في حاجة المستثمر في نهاية كل عام إلى تحويل أرباحه إلى الخارج، وذلك يمثل عبئًا على النقد الأجنبي للدولة أيضًا.. والفارق هنا بين تكلفة الاقتراض والاستثمار أن تكلفة الاقتراض تنتهي بسداد الاقساط.. أما تكلفة الاستثمار فهي مستمرة باستمرار النشاط.
أما ثاني الأبعاد هنا فهو قياس ما تمثله الاستثمارات الأجنبية من ضغوط مقارنة بالقروض، فالمستثمر الأجنبي غالبًا ما ينظر إلى مصلحته الضيقة، دون مراعاة بالقدر المناسب لمصلحة الاقتصاد والدولة التي يعمل بها، فتجد مثلًا، هرولة شركات الأسمنت المملوكة للأجانب في العام الماضي إلى رفع الأسعار، استغلالًا لتعليق الانتاج وقتها بمصنع العريش المملوك للدولة لظروف أمنية.
نجد مستثمرين أجانب لجأوا إلى وسائل الاعلام العالمية للتهديد بالانسحاب من السوق المصرية، نظرًا لتأخر الدولة – في سنوات سابقة – في الوفاء بمتطلباتهم المتمثلة في تحويل الأرباح للخارج، بل إن هناك شركات أعلنت تخارجها بالفعل، وقد نلتمس الأعذار للبعض، إلا أن النتيجة واحدة وهي إحداث البلبة وممارسة الضغط على الدولة في وقت كانت أزمة العملة على أشدها.
ناهيك عن ضغوط تتمثل في نسبة العمالة المصرية التي يمكن أن يقبلها المستثمر الأجنبي وعدم قبول ما يُطرح بشأن الحد الأدنى للأجور، والمطالبة دائمًا بتسهيلات قد تحد من الفائدة التي تنتظر الدولة أن تجنيها من وراء هذا الاستثمار.
وفي مقابل هذه الممارسات من مستثمرين أجانب، كيف يمكن تقييم حصول الدولة على قرض لتنفيذ مشروع هام؟.. أليس ممكنًا من خلال هذا المشروع تحقيق الأثار الاقتصادية التي ننتظرها، من توفير فرص العمل، وزيادة الانتاج، وقبل كل ذلك خلق كيان اقتصادي مصري لن يكون يومًا عنصر ضغط على الدولة طالما أُحسنت إدارته.
إذن فليس كل اقتراض يمثل أزمة.. وليس كل استثمار يمثل الحل .. وفي بعض الأحيان يكون الاقتراض هو الحل الأمثل.. بينما يكون الاستثمار هو الأزمة والعبء الحقيقي.
CNA – مقال بقلم،، أحمد زغلول، صحفي متخصص في الشأن الاقتصادي