مقال| التحرر الوطني للاقتصاد
في ذكرى انتصارات اكتوبر التي حققت التحرر الوطني من نير الاستعمار .. تقف بلادنا أمام تحدي صعب كأمواج عاتية، وطموحات لها شراع ومجاديف تتحرك صوب التحرر الاقتصادي، ذلك الحلم الذي لا يقل أهمية عن تحرير البلاد من المستعمر.
ولا يعني التحرر الاقتصادي، كما يظن البعض، الانفصال عن العالم والإنكفاء على الذات، لكنه الاندماج مع الاقتصاد العالمي بقوة وندية وامتلاك الأدوات التي تجعل البلاد ذات ثقل وتأثير وتضمن اتخاذ القرارات الاقتصادية بعيدًا عن الضغوطات والاملاءات، وتضمن للمواطن مستوى معيشي جيد.
وفي طريقنا نحو التحرر الاقتصادي، ثمة شروط هامة لابد من تحقيقها.. هذه الشروط تتمثل في تحقيق التحرر للفرد والمؤسسة والتشريع .. وتحقيق التحرر للفرد لن يأتي إلا في نظام إداري جيد يضمن تحقيق العدالة في الأجور والترقيات، وبيئة عمل تشجّع على زيادة معدلات الانتاجية، ولا ينفصل عن ذلك تأهيل الفرد وتدريبه للقيادة وأداء المهام المنوطة به، إلى جانب توفير الأدوات اللازمة لإطلاق وإدارة المشروعات الخاصة، وهذه المهام تتوزع بين الحكومة والقطاع الخاص.
وقد بدأت وزارة التخطيط والمتابعة والاصلاح الإداري أولى الخطوات نحو تحقيق هذا الشرط ببرنامج لتأهيل الموظفين بالجهاز الإداري للدولة، إلى جانب إصدار قانون الخدمة المدنية وغير ذلك من إجراءات مرتبطة..لكن مهام تطوير الفرد ليكون عنصر قوة في المنظومة الاقتصادية أمر يحتاج إلى الكثير من الجهد المتواصل.
كذلك الأمر بالنسبة إلى تحرير المؤسسات من البيروقراطية والفساد والرشاوي والتأخر التكنولوجي، فهو أمر ليس بالسهل، لكن الدولة بدأت الطريق في هذا الاتجاه، وما تقوم به الرقابة الإدارية من جهد غير مسبوق لمواجهة الفساد يسرّع من وتيرة الاصلاح، ويعيد الانضباط داخل المؤسسات التي تتحكم في كل صغيرة وكبيرة باقتصاد الدولة، كذلك فإن إعادة تأهيل المؤسسات وإطلاق الجديد منها القادر على مجاراة التطور في الاقتصاد العالمي أمر ضروري وهام، وهنا لابد من الإشارة إلى مشروع الصندوق السيادي الذي من المتوقع أن يحدث تغيرًا كبيرًا في دور الدولة الاقتصادي.
ويتكامل مع تحرر المواطن والمؤسسات، تحرير البيئة التشريعية من القوانين المعوّقة للاستثمار والتنمية، والقضاء على التضارب بين القوانين المختلفة، وهنا فقد قامت الدولة في الفترة الأخيرة بإصدار حزمة من القوانين الاقتصادية ومنها قانون الاستثمار الجديد وقانون للافلاس وثالث للشركات، وكذلك قانون للعمل، وكل هذه التشريعات تفتح الأبواب نحو زيادة حجم الاستثمار، وخلق الاستقرار للسوق، إلا أن ما تم تحقيقه في هذا الشأن يعتبر خطوة.. فالطريق طويل لتنقيح التشريعات المشوهة والمعوّقة للتنمية.
لكن مهما صعبت التحديات ومهما كان الطريق نحو التحرر الاقتصادي معقدًا وطويلا علينا أن نتذكر “كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء”، هذا ما قاله الرئيس الراحل أنور السادات في كلمته احتفالا بانتصار اكتوبر .. وذلك ما يجب أن نتذكره ونستلهم منه روح الانتصار أمام كافة التحديات.
CNA– مقال بقلم،، أحمد زغلول، الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي