مقال| البنك “المحولجي” !
رغم كل المبادرات التي أعلن عنها البنك المركزي في الفترة الماضية بشأن الشمول المالي وتمويل المشروعات الصغيرة وكذا المشروعات المتوسطة الزراعية والصناعية، ومبادرة التمويل العقاري، إلا أن مؤشرات عمليات الإقراض توضّح أن هناك مشكلة تحد من تأثيرات هذه المبادرات، حيث أنه طبقًا للأرقام الرسمية فإن متوسط نسبة الاقراض للودائع بالعملة المحلية في البنوك لازالت في حدود 37% فقط.
ونسبة الاقراض للودائع هي التي تكشف إلى أى حد تؤدي البنوك دورها الرئيسي وهو إقراض المشروعات والأفراد.. ووصول هذه النسبة إلى 37% فذلك يعني ببساطة أن هناك بنوكًا كثيرة بالسوق لا تؤدي دورها بالشكل المناسب فتعطل ضخ القروض التي هي محرك قوي وأساسي لكافة الأنشطة الاقتصادية، في الوقت الذي تقوم فيه باستثمار مدخرات المواطنين لديها في أدوات مالية مثل أذون الخزانة أو غير ذلك من الأدوات التي تضمن تحقيق عائد سهل وسريع دون تحمل أي مشاق.
والمشاركة في تغطية ما تطرحه الحكومة من أذون خزانة أمر ليس كله مُر، حيث يساهم في توفير السيولة لوزارة المالية من أجل مواجهة عجز الموازنة، لكن المراهنة على هذه الأدوات فقط وجعلها الاستثمار الأساسي لتحقيق الربح هو الأمر الكارثي، حيث يصبح البنك مجرد “محولجي” يتلقى الودائع لضخها في أذون الخزانة، ضاربًا بمصالح السوق عرض الحائط ، ومهدرًا ومهمشًا إدارات الائتمان لديه، ومتناسيًا أنه حصل على رخصة بنك وليس شركة استثمار في أوراق مالية.
والمتابع للشأن المصرفي سيكتشف بسهولة أن من بين 40 بنكًا يعملون بالسوق، هناك نسبة ليست بالقليلة لا يعرف عنها العملاء سوى اسمائها، بل إن بعضها لا يعلم كثيرون أنها موجودة من الأساس، ومع ذلك تحقق أرباحًا طائلة دون أن تكلف نفسها بالمشاركة في قرض لشركة أو تساهم في تمويل لمشروع .. وكل البنوك التي تساهم في تمويل المشروعات بالسوق معروفة ومكررة في كل قرض.
لذا أرى أنه من الضروري أن يقوم البنك المركزي باتخاذ خطوة شجاعة بتحديد نسبة للإقراض بالنسبة للودائع في البنوك، ويتم الزام جميع المصارف بها، بحيث لا تقل مثلًا عن 55% في البداية، ويتم رفعها فيما بعد إلى 60% و65%، وأن يضع البنك المركزي جدولًا زمنيًا لتنفيذ ذلك، لأن مثل هذا الإجراء هو الذي سيفرض على البنوك تقديم تسهيلات لضخ القروض المختلفة للعملاء من الشركات والأفراد، مما يعزز من قدرة الجهاز المصرفي على المشاركة في إحداث نمو اقتصادي قوي وحقيقي.
CNA– مقال بقلم،، أحمد زغلول، كاتب صحفي متخصص في الشأن الاقتصادي