أحمد زغلول يكتب: الابتكار فى دعم الاحتكار
رغم ما تقوم به الحكومة من إجراءات إصلاحية دعمًا للاقتصاد ورغبةً فى جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية، إلا أن هناك تشوهات لازالت قائمة تحد من دخول الاستثمارات الجديدة للسوق .. ويبرز على رأس هذه التشوهات استمرار جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بإمكانيات هزيلة، وصلاحيات لا تصلح، ولا تكفى لمواجهة الكيانات الاحتكارية والممارسات الضارة بعملية المنافسة.
ونظرًا لأهمية المنافسة فى منظومة الاستثمار، حيث فى غيابها أو بضعفها يتحول السوق إلى غابة كبيرة يأكل فيها الكبير الصغير، وتصير عملية رفع الأسعار واستغلال المستهلكين أمرًا لا يمكن مواجهته أو احتماله، فإن ما يحدث لدينا من تلكؤ فى تقوية الجهاز المسئول عن صون المنافسة ودحر الاحتكار يعد أمرًا غير مقبول ومُعرقل لكافة الاجراءات الأخرى التى تتخذ لتحريك عجلة الاستثمار التى صدأت تروسها فى سنوات سابقة نتيجة التضارب وعدم تكامل الاجراءات إلى جانب ما كنا نعانيه من حالة عدم الاستقرار.
***
هل يمكن أن نصدق أن جهازًا مسئولًا عن مراقبة ملايين الشركات فى السوق، لا يعمل به سوى نحو 50 موظفًا هم كافة العاملين به من عامل الخدمات المعاونة إلى رئيس الجهاز!! ، وهنا يمكن أن يقول البعض إن زيادة الموظفين فى الأجهزة الحكومية أمر غير مرغوب فيه وإن هناك بطالة مقنّعة وموظفين لا يقومون بالدور المنوط بهم، إلا أن هذا الرأى لا يمكن أن ينطبق على جهاز المنافسة بوضعه الحالى.
***
حيث يحتاج هذا الجهاز إلى إمكانيات ضخمة وعدد كبير من الموظفين فى الشئون القانونية والحسابات وغيرها من القطاعات الهامة، وذلك لأسباب كثيرة يبرز منها أنه فى حالة اتهام الجهاز لشركة ما بالاحتكار فلابد أن يستند الاتهام إلى دراسة وافية وليس مجرد رأى يتم صياغته فى ورقة أو اثنتين، فما يوجهه الجهاز من اتهامات يكون بناء على دراسة مكتملة تحتاج إلى جهد مُضنى لإثبات الممارسة الاحتكارية، وهذا يتطلب شرح كافة الجوانب التى غالبًا ما تحتاج إلى مضابط لإثباتها.
***
وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة هامة أخرى وهى أن ثمة شركات محتكرة تقوم بمحاربة جهاز حماية المنافسة الهزيل بإمكانياته ( وإن كان يقوم بجهود مضنية)، حيث يتم إغراء شباب الموظفين العاملين فى الجهاز للانتقال لدى هذه الشركات، وذلك بعد أن يكون الجهاز قد قام بتدريبهم وإطلاعهم على إجراءات مواجهة المحتكرين وكافة الجوانب القانونية لذلك ، فتقوم هذه الشركات باختطاف موظفيه وإغرائهم بالمرتبات الضخمة ، لمساعدتها فى الفكاك أو الالتفاف على إجراءات مواجهة الاحتكار.
***
أعلم أن هناك قانونًا جديدًا يصاغ لحماية المنافسة.. لكن أجل النقاش حوله طال.. وأخشى ألا يشمل بنودًا هامة – فى وجهة نظرى- وعلى رأسها أن تكون قرارات الجهاز ملزمة أو أن تكون هناك نيابة ودائرة تقاضى خاصة بالجهاز تضطلع بمهام التحقيق فى وقائع الاحتكار وإصدار الإحكام بشكل سريع وبات ضد الشركات والكيانات التى يثبت تلاعبها بالسوق، لأن الوضع فى الوقت الراهن أصبح صعبًا .. فبعد أن يقوم جهاز حماية المنافسة بجهود كبيرة لإثبات التلاعبات تطول مدة التقاضى لتستمر لسنوات مما يفقد قرارات الجهاز أهميتها، وتعتمد الشركات المخالفة على عدد كبير من المحامين الذين، غالبًا، لا يرهقهم العثور على ثغرة بالقانون للإفلات من العقاب.
CNA– مقال بقلم،، أحمد زغلول، كاتب صحفى متخصص فى الشأن الاقتصادى