مافيا لسرقة “الفكّة” برعاية الحكومة !
تقول اسطورة كوميدية تراجيدية شعبية إن “الفقر” كان رفيقًا لرجل فى صعيد مصر،ظل ذلك الرجل يعانى ويلات الفقر،حتى قرر ترك دياره إلى “القاهرة” العامرة،علّه يجد بحبوحة فى الرزق ..وقد حزم أمتعته وتوجه إلى محطة القطار ،، وهناك تذكر أنه نسى “شاله”، فقرر العودة لإحضاره .. وحينما وصل بيته وجد الفقر يلف الشال حول خصره (خصر الفقر) راقصًا ومدندنًا “هنروح مصر ..هنروح مصر .. هنروح مصر”.
هكذا هو حالنا مع “الفساد”..يظل يطاردنا إينما حللنا فى كل العصور،وفوق كل الظروف، والسبب فى ذلك هو عدم وجود إرادة حقيقية لدينا لمواجهته ،تتنوع الإجراءات .. وتتكرر التصريحات، إلا أن ما يُتّخذ فعليًا حيال ما نعانى منه من فساد لا يرقى لحجم طموحاتنا فى أن نصبح ،يومًا ما،دولة ذات شأن.
الحكومة ،رغم تصريحاتها المتكررة بشأن مواجهة الفساد ، تكون أحيانًا هى الراعية له،وما أورده هنا مجرد مثال بسيط لأشياء أخرى مماثلة كبرى، لا يلتفت إليها أحد، والمثال هنا يتمثل فى طوابع الدمغة.. فحينما تريد استخراج أيّة تراخيص أو أوراق حكومية تكون ملزمًا فى أغلب الأمور لإرفاق طوابع تختلف قيمتها بحسب الخدمة التى سيتم تقديمها إليك.
وبالنظر إلى طابع دمغة المواليد،مثلًا،ستجد أن قيمته تتمثل فى جنيه وعشرة قروش، وهى قيمة زهيدة،لكن ثمة مشكلة .. فكيف يمكن لطالب هذا الطابع الحصول عليه بقيمته ،وقد توقفت الحكومة عن سك العشرة قروش ولا تتيح تداولها منذ سنوات،ومن ثم يضطر المواطن لدفع جنيه و خمسة وعشرين قرشًا،أو ما زاد على ذلك لديه.
وبحسبة بسيطة ،ومع افتراض أن ما يتم دفعه (إجبارًا على المواطن) كزيادة على قيمة هذا الطابع، خمسة عشر قرشًا (15 قرش)، وبضرب هذه القيمة فى عدد المواليد فى السنة (2 مليون و720 ألف و495 مولود) يتضح أن موظفى البريد يُحصّلون،دون وجه حق، ما يقرب من نصف مليون جنيه سنويًا،ضمن ما يحصل من طوابع دمغة المواليد.
وهذا فيما يتعلق بدمغة المواليد فقط !.. فتخيلوا القيمة التى تضيع على الخزانة العامة وعلى المواطن نتيجة وجود أنواع عديدة من طوابع الدمغة بقيم تحتوى على فئات من الفكة غير متداولة .. وبعلم الحكومة !!
ولو أننا بصدد البحث عن فكرة لجمع الفكّة التى تضيع على الدولة والمواطن،فإن حل مشكلة التمغات ذات القيمة غير المتداولة يُعد هو الفكرة المنطقية التى لابد أن يتم النظر إليها من جانب الحكومة “الغافلة” حتى توفر الملايين من الفكّة المهدرة والتى تذهب إلى جيوب الموظفين دون وجه حق..
والحل ببساطة يتمثل فى أن تحدد الحكومة قيمة يمكن دفعها ،وليست فكّة توقفت عن سكّها ،ولم تعد متداولة، فبدلًا من استخدام فئات 5 قروش و10 قروش و15 قرشًا ،و30 قرشًا وما على شاكلتها،من فئات الفكة غير المتداولة،فلتجعلها فئات مثل الـ 25 قرشًا والـ 50 قرشًا .. وهى فئات مُستخدمة،ولن يشعر المواطن بزيادة سعر الدمغة لأنه يدفعها فلعليًا،لكن الفرق فى الأمر هنا أنه عند زيادة سعر الطوابع إلى قيمة متداولة، فإن الفكة ستدخل الخزانة العامة وليس جيوب موظفى البريد والمنتفعين.
و لنعلم أن معظم النار يأتى من مستصغر الشرر .. ولابد أن تعالج الحكومة مثل هذه التشوهات التى تتسبب فى نهب أموال المواطنين .. وإلا فإنها ستكون شريكة فى سرقة أموال الشعب.
ولابد أن نعلم أيضًا أننا لازلنا فى ترتيب متأخر بين الدول فى مكافحة الفساد ( نحتل المركز 94 بين دول العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية لعام 2014) ،وعلى ذلك فليس هناك بُد من أن تتخذ الحكومة وبأسرع وتيرة الكثير من الإجراءات،وتغلّظ العقوبات، وأن تنتبه لما بين يديها من فساد،حتى نصل إلى بر الأمان.
CNA– مقال بقلم ،، أحمد زغلول ،كاتب صحفى متخصص فى الشأن الاقتصادى