“عثمان الخويطر” يكتب : كيف نصبح شعبا منتجًا ؟
لدينا فى المملكة العربية السعودية .. سؤال محير، وجوابه أصعب من العمل نفسه، فقد اعتدنا أو قل معظمنا، منذ أن بدأ دخل البترول يتدفق علينا، على الركون إلى الراحة وترك الأعمال الشاقة المنتجة تقوم بها العمالة الأجنبية الرخيصة.
وقد حاولنا استدراك أمورنا قبل ما يزيد على 45 عاما، ضمن ما يسمى بالخطط الخمسية، التي كانت، ولا تزال، تهدف إلى تنويع الدخل وإشراك المواطن في خطة التنمية الاقتصادية، ولكن جهودنا لم تنجح لأسباب كثيرة، ربما أن أهمها ضخامة دخل البترول الذي كانت نسبة كبيرة منه توجه نحو مشاريع أكبر من طاقتنا،وهذا أوجد حاجة ملحة إلى استقدام ملايين العمالة الأجنبية دون ضوابط تحكم مدة وجودها.
فقد كانت الدولة تصرف بسخاء على مشاريع إنشاء البنية التحتية. ولما لم تكن لدينا عمالة وطنية مؤهلة وجاهزة، اضطرت إلى فتح باب الاستقدام على مصراعيه، ما حال دون إشراك المواطن بسبب تدني أجور العمالة وغياب تام للتوعية الوطنية بأهمية القيام بالأعمال المهنية والحرفية. وأصبح المواطن يفضل الأعمال الناعمة، تاركا الأعمال المنتجة بأيدي عمالة غير وطنية.
ونقصد بالإنتاج أي عمل يعطي قيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني. وحاولت الجهات المختصة، بمجهود متواضع، سعودة بعض الأعمال عن طريق فرض الفكرة على رجال الأعمال بأساليب مختلفة وغير عملية. ولم يحالفها التوفيق، لأن الموضوع لم يعالج من أساسه أو من أسسه التحتية، فقد كان الأمر أكبر من مجرد فرض التوظيف دون إيجاد نظام توظيف خاص بين صاحب المؤسسة وبين الأيدي الوطنية العاملة، يحفظ حقوق الطرفين.
هذا المقال لن يتطرق إلى نوعية المشاريع الخدمية والصناعية التي نأمل أن يكون اختيارها ملائما لبيئتنا وظروفنا ويكون لها نصيب من النجاح في إنتاج سلع وخدمات ذات قيمة مضافة، فهذه الكيفية يقررها الصناعيون والمستثمرون. نحن يهمنا في هذا المقال كيفية تهيئة المواطن ليصبح عنصرا فاعلا في مجال التنمية الصناعية.
وأصعب ما في الأمر هو البداية، وهذا يحتاج إلى مجهود كبير ووضع خطة طريق عملية وقابلة للتنفيذ، رؤوس الأموال متوافرة محليا وعن طريق فتح مجال المستثمرين الأجانب، إذا توافرت لهم التسهيلات المطلوبة.
والعوائق التي كانت تحول دون إشراك المواطن فعليا في مشاريع التنمية الاقتصادية، من الممكن تلخيصها فيما يلي: وجود أعداد هائلة من العمالة الأجنبية الرخيصة، عدم وجود برامج تدريب وتأهيل للمواطن في المهن المختلفة، تدني الرواتب التي لا تتناسب مع مستوى المعيشة في البلد، غياب تام للتوعية الاجتماعية التي من شأنها ترغيب الشباب في الأعمال المنتجة حتى لو كانت شاقة، إضافة إلى إحداث قوانين تنظم علاقة العامل بصاحب العمل بحيث لا تكون هناك فوضى انتقال العامل أو هضم حقوقه.
خطوات مطلوبة
– تسريح نسبة كبيرة من العمالة الأجنبية وإيجاد سقف أعلى للعدد المطلوب، عدا العمالة المنزلية، ويكون السقف على سبيل المثال أقل من 25 % من عدد السكان ، ويشمل التسريح كل من ليس له مهنة حرفية. والبيع والشراء ليسا من المهن المقبولة.
– إحداث برامج تثقيفية وتوعوية عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة بأهمية العمل المصنعي والخدمي والمهني. ولا بد من إدخال مناهج دراسية في جميع المراحل تتعلق بالعمل المثمر الذي يولد إضافة اقتصادية. وإنشاء ورش ملحقة بالمدارس المتوسطة والثانوية لمن له هواية العمل فيها.
– يعاد تقييم المدارس والمعاهد التقنية والحرفية والمهنية بحيث يكون التعليم فيها مطورا وجذابا، ولا بأس من الترغيب عن طريق صرف مكافآت مجزية خلال زمن قد يكون من عشر إلى عشرين عاما. ويعاد تقييم الحاجة إلى صرف المكافآت حسب الوضع الاجتماعي آنذاك.
– يوضع كادر الرواتب للأعمال المهنية والتقنية بحيث يصل إلى مستوى رواتب خريجي الجامعات، إضافة إلى محفزات خاصة عند الحاجة. هذه الخطوة تحتاج إلى شجاعة وإلى بعد نظر، وهي الوحيدة التي سوف تساعد على تحقيق الهدف المنشود،لأن الهدف هو صرف أغلبية الشباب إلى الأعمال المنتجة، التي يتهربون منها اليوم، مع أنها أساس نجاح التنمية الاقتصادية. وعندما تتغير نظرة المجتمع نحو أصحاب المهن ويتقبل الشباب ممارسة الأعمال المنتجة سوف يحدث نوع من التوازن في الرواتب بين مختلف الأعمال.
– تفرض السعودة على رجال الأعمال والشركات فرضا قطعيا ولا يترك لأحد خيار. وبالمقابل يكون هناك تنظيم خاص يحفظ للشركات ورجال الأعمال حقوقهم أيضا.
فالموظف الذي يتم تدريبه وتأهيله لعمل ما لا يسمح له بترك العمل إلى عمل آخر قبل أن ينتهي عقده مع المؤسسة التي يعمل بها، أي يمنع بتاتا من الانتقال إلى مؤسسة أخرى منافسة. وهذا من الممكن ضبطه إلكترونيا بواسطة وزارة العمل، ولن تخلو الساحة من المقاومة، فأصحاب الأعمال سوف يتذمرون من فرض السعودة عليهم، والمواطن لن يتقبل بسهولة التخلي عن الشهادات الجامعية النظرية والتحول إلى الدراسات المهنية، وهنا يأتي دور الحكمة في معالجة هذا الأمر.
– من الضروري لأي تنمية اقتصادية أن يكون للقطاع الخاص الدور الأكبر لإدارة العجلة، وللحكومة دور المنظم والمراقب، وما دام أن الدخل اليوم بيد الحكومة، فلماذا لا يكون دورها إقراض القطاع الخاص ليكون دوره أكثر فاعلية وأوسع قاعدة؟ فكرة تستحق الدراسة من ذوي الاختصاص.
فنحن بحاجة ملزمة إلى إيجاد مصادر متنوعة ومستديمة للدخل تعتمد على جهد المواطن. وسريان الزمن اليوم ليس في مصلحتنا، فإنتاجيتنا لا تكاد تذكر، في وقت تسير فيه كل أمورنا في الاتجاه المعاكس. العمالة الأجنبية تترهل وأعدادنا تتضاعف وشبابنا غير منتج وبترولنا ينضب. فماذا بقي لنا، غير أن نغير فلسفتنا في الحياة ونأخذ العبر ممن مروا في حياتهم بالظروف نفسها ، (المرض الهولندي).
وإذا كنا اليوم شعب غير منتج والدليل أن دخل ميزانية الدولة، وهي المسؤولة عن الإنفاق العام، يكاد يكون كله من البترول، فما الذي سوف يدفعنا إلى تغيير سلوكنا لنصبح أمة منتجة ؟ فالأمر ليس بالسهولة التي نتصورها، بل هو تحد كبير لنا لا ندري من أي جهة نواجهه.
هل الأولوية التخلص من 50% من العمالة الوافدة لتفتح مجال العمل لأولادنا؟ أم التركيز على تدريب وتأهيل شبابنا ليكون جاهزا للعمل المثمر؟ أو الاثنين معا؟ .. لا بد من جود خطط وبرامج خاصة تحت إدارة هيئات تشرف على التنفيذ، والأمر يتطلب إيجاد رواتب مجزية لجميع الأعمال المهنية والحرفية لتحفيز انضمام الشباب خلال السنوات القادمة إلى أداء العمل المثمر.
ومن الضروري تنمية القطاع الخاص، بما فيه مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة عن طريق التشجيع والإعفاءات الخاصة وتسهيل أمور القروض والإجراءات الروتينية.
CNA– مقال بقلم ،، عثمان الخويطر،نائب رئيس شركة ارامكو السعودية سابقًا