عثمان الخويطر يكتب : قرارات “أوبك” .. ودور السعودية
قد يبدو للوهلة الأولى أن السوق البترولية كانت خلال السنتين الماضيتين تسير في بحر لجي ومن دون ربان يوجهها نحو بر الأمان، ولكن الحدث الأخير المتعلق بتخفيض الإنتاج وقرار منظمة دول الأوبك أثبت أنها كانت تحت رعاية موثوقة وبأيد أمينة ، وأن السعودية هي التي كانت فعلا تلعب دور الموجه لسياسة الإنتاج العالمي.
وضمن المسئولية الجهود التي بذلها المسئولون السعوديون، دون ذكر أسماء، والأثر الفعال والإيجابي في الحفاظ على وحدة الصف داخل منظمة أوبك، رغم اختلاف الآراء والمصالح والمشارب بين أعضائها. وكان أن تم الاتفاق على خفض مناسب للإنتاج، وإن لم يكن عند المستوى المأمول. في الوقت نفسه، تم إقناع بعض الدول المنتجة الرئيسة خارج نطاق منظمة أوبك، وعلى وجه الخصوص الحكومة الروسية، بالموافقة أيضا على المشاركة في التخفيض بنسب متواضعة، وهو ما أعطى ثماره بنسبة مقبولة.
وقد كانت الجهود المبذولة في هذا المجال تطبخ على نار هادئة وعلى أعلى المستويات من أجل ضمان تبني فكرة التخفيض والالتزام ببنوده، وتبقى مهمة متابعة التنفيذ الصعبة من أجل تحقيق الهدف المنشود، ولعله من باب التذكير، أن منتجي البترول جميعهم يقطنون سفينة واحدة، وعدم التقيد بحصص التخفيض التي اتفق عليها البعض من داخل وخارج منظمة أوبك، هو بالنسبة للمنتجين الآخرين بمنزلة خرق للسفينة فتغرق بالجميع،فالكل سوف يتأثر بنزول الأسعار نتيجة لعدم انضباط أحد أطراف منظومة المنتجين.
وأقل ما يمكن أن يتخذ بحق من لا يتقيدون بالاتفاق التشهير بالمخالفين لعل ذلك ينفع معهم، ومن أهم العوامل التي قد تداعب أفكار البعض وتشجعهم على عدم تخفيض الإنتاج، الفكر السائد بين منتجي البترول بوجه عام، أن التخفيض لأي سبب كان يعني الخسارة، وهذا عكس الواقع والمنطق، فالهدف الأول من التخفيض محاولة رفع سعر البرميل وإعادته إلى ما كان عليه سابقا قبل نزول عام 2014.
والهدف الثاني، الذي لا يقل أهمية، الاحتفاظ بأي توفير بترولي ينتج من تخفيض الإنتاج، خصوصا إذا أدركنا أن الطلب على البترول سيظل قائما خلال العقود المقبلة. ولذلك فمن شبه المؤكد أن ما نوفره اليوم من البترول سوف يحتفظ بقيمته، بل الأرجح أنه سيباع بسعر أعلى من الأسعار الحالية بكثير، وفي وقت نكون أحوج فيه للإنتاج والدخل المالي.
الاتفاق الأخير بين أعضاء منظمة أوبك وبعض المنتجين المستقلين حول موضوع تخفيض الإنتاج، اختبار لحسن النية والتعاون المشترك من أجل رفع مستوى الأسعار المنهارة، وماضي التاريخ شاهد على عدم التزام بعض المنتجين الكامل بأي اتفاق، حتى ولو كان لخدمة المصالح المشتركة لجميع الدول المنتجة.
وربما أن الوضع الحالي الذي دام أكثر من سنتين وهز بعنف اقتصادات دول البترول يكون دافعا لهم لتنفيذ بنود الاتفاق بكل أمانة وصدق، لتعود الأسعار إلى مستوى أفضل مما كانت عليه خلال السنتين الماضيتين.
وكل ما تحتاج إليه السوق محو الفكرة التي كانت تلازم أي إجراء تخفيضي وتعتبره خسارة، بينما هو في واقع الأمر مكسب للجهة المنتجة. فالاحتفاظ بالبترول مخزونا تحت الأرض وعدم استنزافه ومن ثم بيعه بسعر أقل من قيمته الحقيقية، نظرا لكونه مادة قابلة للنضوب، سوف يعطي مردودا ماليا أكبر في المستقبل. والاتفاق الذي سوف يبدأ تنفيذه في الأول من يناير المقبل، هو الحد الأدنى لما يمكن أن يكون مقبولا. وكان المأمول أن يتم الاتفاق على خفض ضعف الكمية المعلن عنها حاليا وتعود الأسعار إلى سابق عهدها قبل منتصف 2014.
ومن شبه المؤكد أن ارتفاع السعر حينها سوف يعوض ماليا انخفاض كميات الإنتاج. ويكون المنتجون قد كسبوا مزيدا من المال ووفروا كميات هائلة من البترول. وسوف تروج وسائل الإعلام لعودة البترول الصخري إلى الواجهة عندما ترتفع الأسعار، وليكن ذلك. فمع التزام منتجي البترول التقليدي بحصصهم المتفق عليها واستمرار نمو الطلب السنوي عند مستواه الحالي البالغ أكثر من مليون برميل، سوف تظل الأسعار مناسبة للجميع، وسوف تستغرق أي إضافة صخرية جديدة أشهرا قبل أن تصل السوق البترولية، ويكون هناك مجال واسع لاستيعابها دونما حدوث تأثير لها ذي قيمة في سعر البرميل. هذا على افتراض أن يظل التزام المنتجين بمضمون القرار، وهو لصالح الجميع.
أما إذا خرق أحدهم السفينة وتصرف بطريقته الخاصة أملا في كسب مؤقت فسوف تغرق بهم كما حدث في سوابق عديدة. وليس سرا أن التخفيض البسيط المقترح يمثل أقل من الزيادات المتأخرة التي أضيفت إلى كميات الإنتاج الحالي خلال الأشهر القليلة الماضية، وهي في الواقع الأكثر تكلفة. فالتخلص منها وتوفيرها للمستقبل يخفف أيضا على المنتج أعباء مصروفات الإنتاج.
وكم نتمنى لو يعامل البترول كسلعة اقتصادية بعيدا عن السياسة التي لا تراعي مصالح الشعوب، خصوصا تلكم التي تعتمد حياة شعوبها إلى حد كبير على دخل البترول، فكم من أموال البترول الرخيص ذهبت إلى جيوب المستهلكين الذين معظمهم من الأغنياء، بسبب تدخل العلاقات والمصالح الخاصة التي لا تراعي مستقبل ومصير هذه المادة الناضبة، وأملنا كبير في أن يبذل المسؤولون المخلصون جهدا مضاعفا لتفادي حدوث أي فشل في تنفيذ قرار المنظمة التاريخي، لأهميته.
CNA– مقال بقلم ،، عثمان الخويطر، نائب رئيس شركة ارامكو سابقًا