عثمان الخويطر يكتب: العمالة الأجنبية .. والباب المفتوح
من كان يتصوّر قبل عقود أننا سنستقدم ( فى المملكة العربية السعودية) عمالة أجنبية ترعى غنمنا وإبلنا وتخدم نخلنا وتزرع أرضنا وتبني بيوتنا وتقود مركباتنا وتعمل في مصانعنا ونحن أحياء نرزق؟ بل إن الأمر تعدى حدود المنطق، فجلبنا كثيرين منهم ليعملوا في محالنا التجارية، وهي مهنة لا تحتاج إلى أي مؤهلات علمية أو حرفية أو حتى شهادات مدرسية.
وبعدها تمادينا إلى أبعد من ذلك، فسلمناهم مفاتيح مرافق التجزئة “الدكاكين” والورش والمحال التجارية الأخرى وفوضناهم يبيعون ويشترون لحسابهم الخاص دون حسيب ولا رقيب ولا ضرائب، مخالفة لنظام الاستقدام وذلك تحت بصر وسمع المسؤولين.
وهي فرص لم يكونوا يحلمون بها ولا في بلدانهم الأصلية. وقد وصل عددهم اليوم حسب التقديرات غير الرسمية إلى ما يربو على 14 مليون نسمة، وربما أعلى من هذا المستوى، وسكان البلاد في حدود 20 مليونا. نسبة مخيفة. ويزيدون سنويا بما يقارب المليون، إن لم نضع حدا لذلك.
وعندما تسير في الشوارع أو تذهب إلى المرافق العامة تشعر وكأنك غريب في البلاد، وهذه حال دول الخليج الشقيقة، إلا أن بعضها تكون الجاليات الأجنبية فيها نسبة ربما تصل إلى 80 في المائة من عدد السكان. وفي ذلك خطورة ديموغرافية واجتماعية قد لا تحمد عواقبها.
وإذا غضضنا النظر عن العوامل والمسائل الاجتماعية، فإن وجود كثيرين منهم بهذا القدر الكبير يكون عبئا ثقيلا على الاقتصاد الوطني، خصوصا في مثل الظروف الحالية.
وبعض منهم يعيشون اليوم عالة على اقتصادنا ويجب التخلص منهم في أقرب فرصة، فالعمالة الرخيصة قد لا تكون دائما مفيدة، ناهيك عن أن نسبة كبيرة من الوافدين في الوقت الحاضر لا يعطي عملهم قيمة مضافة للاقتصاد، بل العكس تماما، فهم يضرون أكثر مما ينفعون. فما جدوى بقائهم في بلادنا؟ ولا يخفى على المسؤولين ولا على أي مواطن أن نسبة عالية من الدكاكين تحتلها عمالة أجنبية، تمتلكها وتعمل فيها لحسابها.
ونتوقع أن معظمهم يحصلون على أرباح ضخمة يرحلونها إلى بلدانهم، وبطبيعة الحال، فبسبب وجودهم بيننا، يستغلون جميع ما هو مهيأ للمواطن من تخفيضات في الوقود والكهرباء والماء وبعض المواد الغذائية.
وهذا إنهاك للاقتصاد غير مرئي. ومن المؤكد أن هذه الفئة من العمالة الوافدة تشارك في الاختناقات المرورية والأماكن العامة. ولن نتحدث عن المخاطر الاجتماعية والأعمال السلبية التي تنجم عن وجود كل من هب ودب فوق أرضنا، نظرا لعدم توافر إحصاءات دقيقة نبني عليها حكمنا.
وسائل الاستقدام متعددة، فإذا استثنينا العمالة المنزلية، فهناك استقدام لمشاريع معينة ومحددة، واستقدام للعمل في مرافق ومنشآت صناعية وخدمية. كما أن البعض يستقدم العمالة الأجنبية للعمل في المحال العامة والمراكز التجارية التي أشرنا إليها آنفا. وينسب البعض وجود ملايين العمالة السائبة وشبه العاطلة إلى استقدامهم لمشاريع وهمية، تختفي بمجرد وصولهم إلى البلاد.
ولا نظن أن الجهات المختصة تقتفي أثر منح التأشيرات وتتأكد بعد زمن من صحة الطلب وموقع عمل العمالة المعنية. وهو أمر ضروري حتى نقطع الطريق على الذين يتحايلون على النظام، وهو أمر لم نشاهد له أثرا بيننا حتى الآن.
والدليل مشاهدة هذه الأعداد الهائلة التي تجوب شوارع المدن في جميع أنحاء الوطن يوميا بحثا عن عمل. أما تأثير العمالة الوافدة في فرص العمل للمواطنين فحدث ولا حرج. ولا يجب أن يكون هدفنا استجلاب عمالة رخيصة على حساب فرص أبناء الوطن. فعلى سبيل المثال، لدينا ما يقارب ألفي محطة محروقات. العمل فيها منتظم ومقسم إلى ثلاث فترات، كل منها ثماني ساعات. عمل نظيف وشريف ومؤهلاته متواضعة وبسيطة.
وكل ما يحتاج هو الالتزام بالدوام. فهو ملائم جدا للمواطنين الذين لا يحملون شهادات عالية، مع ضرورة منح المواطن راتبا يتناسب مع مستوى المعيشة في بلادنا.
ويجب أن يكون فرضا على صاحب المنشأة توظيف المواطنين حصريا، كشرط لمنحه رخصة إنشاء المحطة. وستستوعب المحطات الآلاف من المواطنين من ذوي التعليم المتواضع. وهناك مجالات كثيرة من السهولة بمكان حصرها في المواطن والاستغناء عن العامل الأجنبي بالتدريج.
وكل ما نحتاج إليه هو التخطيط السليم ومتابعة التنفيذ. وليس خافيا على المسؤولين أهمية إحلال المواطن محل الأجنبي بالنسبة للاقتصاد الوطني، ناهيك عن المكاسب الاجتماعية الأخرى ورفع مستوى الطبقة المتوسطة في المجتمع.
هذا لا يعني على الإطلاق أن التركيز يكون فقط على سعودة الوظائف المتدنية، بل لا بد من توطين جميع المراكز التي تتطلب تعليما عاليا أو فنيا أو تقنيا.
فشبابنا أولى بها من غير المواطنين. وهذا أيضا يحتاج إلى مجهود كبير وتدريب وتأهيل وسن نظم وقوانين تحفظ للمواطن حقوقه وتضمن لصاحب العمل المواظبة وحسن الأداء. وهناك تذمر كبير من جانب الشباب الذين تخرجوا بشهادات علمية وتقنية من الجامعات والمعاهد المحلية والخارجية، أن فرص العمل محدودة رغم وجود الوظائف على أرض الواقع ويشغلها أجانب.
نحن نعرف الأسباب، صاحب العمل لا يثق كثيرا في المواطن ولا بقدرته على الانتظام في العمل والمثابرة. وهي عقدة تحتاج إلى معالجة عملية من ذوي الاختصاص. وترك الوضع على ما هو عليه اليوم لا يخدم مصالحنا الحيوية ولا اقتصادنا ولا أمننا الوطني.
الذي فتح باب الاستقدام على مصراعيه هي الطفرات الاقتصادية المتوالية، منذ السبعينيات الميلادية، وكان من الممكن، آنذاك، أن نمزج بين الاستقدام المنظم وبين تأهيل وتشغيل المواطنين جنبا إلى جنب مع العمالة الأجنبية.
ولكن ذلك لم يحدث، فتركنا القرار بأيدي المواطنين ورجال الأعمال الذين فضلوا الأجنبي على المواطن، لسهولة التعامل معه وتدني تكلفته، وأملنا ومبتغانا ألا يترك وضع الاستقدام على حاله اليوم. وألا نتغاضى عن وجود الملايين من غير المواطنين الذين ليس لوجودهم ضرورة قصوى، طبقا لروح “الرؤية المباركة، 2030”.
CNA– مقال بقلم ،، عثمان الخويطر (نائب رئيس شركة أرامكو السعودية سابقًا)