عثمان الخويطر يكتب: الطاقة الشمسية المتيسرة والذرية المتعسرة
أخيرا تنازلت مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والمتجددة عن إنشاء 16 محطة نووية لتوليد الكهرباء إلى محطة أو محطتين، وهو أقرب إلى المنطق السليم، ونأمل إن شاء الله أن ينظر المسئولون إلى ذلك بموضوعية أكثر ويصرفوا النظر عن الطاقة النووية في الوقت الحاضر، في الوقت الذي يميل فيه كثير من الدول المتقدمة إلى الحد من استخدامها.
وفى المقابل مضاعفة الجهود لمصلحة مصادر الطاقة المتجددة، والشمسية والرياح على وجه الخصوص، ويعلم الله أن الأمر بسيط بساطة توليد الطاقة الشمسية ذاتها، التي بإمكاننا توطين صناعتها بالكامل محليا، ركبوا مكوناتها باتجاه مساقط الأشعة الشمسية واتركوها تعمل بهدوء ودون حراسات أمنية مكلفة، ولا تأمين حوادث كارثية أو تلويث خطير للبيئة، ولا اعتماد شبه كلي على جهات أجنبية لتشغيلها وصيانتها، كما هي الحال مع الطاقة الذرية.
وقد مضت سنوات على إنشاء هذه المؤسسة المهمة، مدينة الملك عبدالله، وكم من المبالغ صرفت على الدراسات والبحوث والجهد الكبير، من أجل اختيار الطريق الأمثل في مجال توليد التيار الكهربائي، بدلا من حرق البترول الخام ذي القيمة السوقية العالية؟ ليس هذا مقام محاسبة، ولكن كان بالإمكان البدء بمرافق الطاقة الشمسية منذ زمن طويل.
وكان بإمكاننا أن نبدأ بإنشاء مرافق الطاقة الشمسية بعد سنتين من قيام مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، فقد وجدوا أن جدواها الاقتصادية كان ملائمًا لظروفنا آنذاك، بسبب إحراق كميات كبيرة من البترول الخام أوقات ذروة استهلاك الكهرباء.
ولكننا لم نفعل بسبب قصر النظر، فبعض المسئولينمن ذوي الأفق الضيق كان يتذرع بضخامة احتياطي البترول، ولم يدركوا أننا ومنذ زمن ننتج من النصف الأخير من بترولنا الأكثر صعوبة وأكبر تكلفة، واليوم بدأت ملامح اهتمام بالموضوع، وإن كانت بداية متواضعة نسبة إلى حاجتنا الملحة، نظرا لهدر كميات كبيرة من البترول المطلوب في السوق الدولية. ولعلها إن شاء الله تكون بداية موفقة.
فتكلفة الطاقة الشمسية وصلت قبل بضع سنوات إلى مستوى يمكنها من منافسة معظم مصادر توليد الطاقة، بما في ذلك المشتقات البترولية عند أسعارها العالمية، ناهيك عن هدر البترول الخام الذي لا نزال نحرق منه كميات كبيرة لتغطية ذروة استهلاك الكهرباء.
ومن حسن المصادفة أن يكون وقت ذروة الاستهلاك الكهربائي هو وسط النهار، أو ذروة وقت العطاء الشمسي. واللافت للنظر أن تكلفة توليد الطاقة الشمسية كانت تنخفض سنويا خلال العقود الماضية ويتحسن أداؤها حتى يومنا هذا، وهو ما لم نعهده مع أي مصدر آخر. ولا يزال الانخفاض مستمرا ويقترب من القاع.
والطاقة الشمسية ليست خاضعة لأي دولة أو سلطة تتحكم فيها، فهي مثل الهواء، مشاعة للجميع، وعلى الرغم من الحراك الأخير، “رؤية 2030″، التي يبدو أنها في طريقها لتنفيذ جملة من مشاريع توليد الطاقة الشمسية، إلا أننا لا نزال في طور الحديث عنها، ما لم نشاهد بداية حرث على الأرض.
ولا نلام في ذلك، فقد استمعنا إلى كثير من التصريحات الرنانة خلال السنوات الماضية بأننا سنصبح دولة مصدرة للطاقة الشمسية. وها نحن اليوم لم نزل نراوح مكاننا. نعم، سوف يكون في مقدورنا – إن شاء الله – الوصول إلى الاكتفاء الذاتي، ومن ثم تصدير الفائض إذا وضعنا لأنفسنا أهدافا محددة بتواريخ ملزِمة، كما فعلت أمريكا في برنامجها الذي أوصلها إلى القمر في غضون زمن محدد.
إنها الإرادة والتصميم والعمل الجاد وتكاتف الجميع. وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أن صناعة الطاقة الشمسية، بما توفره من وظائف للمواطنين، من أفضل وسائل تنويع مصادر الدخل لاقتصادنا الريعي، وستوفر أيضا مئات الملايين من براميل البترول الخام الذي حتى يومنا هذا يذهب هدرا كرافد لتوليد التيار الكهربائي، بدلا من بيعه في السوق العالمية.
كنا قبل سنوات نأمل أن نكون في مقدمة الدول التي تستخدم الطاقة الشمسية، بما كان لدينا آنذاك من حوافز مالية واقتصادية، وإذا بنا لا نزال نقبع في المؤخرة، مع أننا كنا حينها نملك كثيرا من الفوائض المالية الجاهزة للاستثمار في الطاقة الشمسية، وغيرنا، ممن سبقونا الآن في هذا المجال، يستلفون المال من أجل المضي في مشاريعها.
وعند المفاضلة بين الطاقة الشمسية المتيسرة والطاقة الذرية، قد نجد من يقول إن الذرية يستمر عطاؤها خلال الليل والنهار، بينما الطاقة الشمسية يكون عطاؤها فقط وقت النهار. وهذا صحيح في وقتنا الحاضر.
ولكن حاجتنا الملحة اليوم ولسنوات طويلة قادمة هي لتغطية أوقات الذروة النهارية. وقد لا تمضي سنوات إلا وقد وجد العالم وسيلة عملية لتخزين الطاقة الكهربائية المتولدة من الأشعة الشمسية.
ولعل من أهم سلبيات إنشاء مرافق الطاقة الذرية المكلفة أمران: الأول، استحالة توطين صناعتها وقلة توفيرها للوظائف التي تتناسب مع مبالغ تكلفة وجودها على أرضنا، مع غياب شبه تام لوجود أيد وطنية مدربة للعمل في مرافقها عالية الخطورة والتقنية. ثانيا، التكاليف الهائلة التي لا يأتي ذكرها عند دراسة الجدوى الاقتصادية. ومنها، على سبيل المثال، الحراسة الأمنية والعسكرية لمنشآتها التي تتحملها الدولة وعملية تنظيف مواقع المنشآت من الإشعاعات النووية بعد انقضاء عمرها الافتراضي، وهي مبالغ خيالية.
ولن نتطرق في هذه العجالة إلى احتمالية حدوث كوارث بيئية وإنسانية واقتصادية في حالة حدوث خلل ما في المحطة، لا قدر الله، وهو أمر وارد كما حدث في أكثر من موقع من العالم، وذلك عكس مصادر الطاقة المتجددة النظيفة، التي لا تترك أثرا يضر بالإنسان أو البيئة. ونرجو ألا نغفل الاهتمام من الآن بحجز مواقع محطات توليد الطاقة الشمسية خلال الـ 50 سنة المقبلة، قبل أن تطير الطيور بأرزاقها مثل ما يقول المثل.
وحجزها من اليوم بأمر ملكي يضمن عدم التعدي عليها وامتلاكها ثم بيعها بثمن قد يضعف الجدوى الاقتصادية لمشاريع الطاقة الشمسية. وكل ما نحتاج إليه هو رؤية عملية لحاجة البلاد من الطاقة المتجددة خلال العقود المقبلة ومسح شامل للمواقع المطلوبة واستصدار أمر بحجزها.
CNA– مقال بقلم ،، عثمان الخويطر، نائب رئيس شركة أرامكو السعودية سابقًا