تحليل| “الجنيه” في أمان من التقلبات العنيفة.. وتصريحات “عامر” “إيجابية
أثارت تصريحات طارق عامر، محافظ البنك المركزي، والتي نشرتها شبكة بلومبرج منذ أيام قليلة، الكثير من اللغط بين المتابعين والاقتصاديين، لاسيما فيما يتعلق بإشارة “عامر” إلى أن سعر الصرف سيشهد خلال الفترة المقبلة تحركًا أكبر، حيث قال البعض ومنهم اقتصاديين إن محافظ البنك المركزي يمهّد بتصريحاته لارتفاع الدولار أمام الجنيه في الفترة المقبلة.
وبالنظر بشكل تفصيلي إلى تصريحات طارق عامر، سنجد أنه تم اجتزائها ليخرج المعنى من السياق المقصود .. بل يبدو أن البعض يقوم بذلك من أجل مصالح شخصية لا أكثر ولا أقل غير عابيء بمصلحة الاقتصاد واستقرار البلاد.
والدقيق أنه تم توجيه سؤالا إلى محافظ البنك المركزي.. مفاده أن سعر الصرف شهد استقرارًا بل شبه ثبات خلال الفترة الماضية .. فهل كان ذلك نتيجة تدخل البنك المركزي؟ ( السؤال تشكيكًا في تحرير سعر الصرف).. فكان رد “عامر” أن البنك المركزي لم يتدخل أبدًا في تثبيت العملة وأن السوق حر بشكل كامل، وتأكيدًا لحديثه فقد ذكر أن البنك المركزي ألغى مؤخرًا نظام ضمان تحويلات المسثمرين الأجانب الذي كان يلتزم فيه “المركزي” بتحويل مستحقات الأجانب عند الخروج من السوق.
وبإلغاء آلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب من خلال البنك المركزي، تُركت المسئولية للبنوك العاملة بالسوق المحلية، بحيث يمكن للمستثمرين التعامل مع البنوك عند الدخول أو الخروج من السوق، وذلك من شأنه خلق سيولة ومرونة أكثر في تحرك سعر الصرف صعودًا وهبوطا، كما أن إتاحة الفرصة للبنوك للتعامل المباشر مع المستثمرين الأجانب من شأنه أن يعزز من دخول الاستثمارات الأجنبية للسوق، حيث ستبذل البنوك ما في وسعها من أجل اجتذاب تدفقات أجنبية إلى خزائنها.
وقد أكد “عامر” أن إلغاء آلية تحويلات المستثمرين الأجانب ستجعل هناك مرونة أكبر لتحرك سعر الصرف بشكل أكبر من ذي قبل .. وذلك جاء تأكيدًا أيضًا لمبدأ تحرير سعر الصرف الذي من شأنه أن يعزز ثقة المؤسسات والمستثمرين في الخارج والداخل بالاقتصاد المصري.
فلماذا إذن يدعى البعض أن تصريحات محافظ البنك المركزي تعني أن الدولار سيرتفع بشكل كبير أمام الجنيه؟ .. حديث المحافظ كان أكثر وضوحًا مما يريد أن يروجه كثيرون.
وما يؤكد أن تصريحات “عامر” لم يكن المقصود منها انفلات سعر الدولار أو حدوث تقلبات كبيرة في العملة .. أنه أكد في تصريحاته أن التحركات ستكون في حدود مقبولة ، حيث شدد على أن لدى البنك المركزي في الوقت الراهن الأدوات الكافية والاحتياطي النقدي القوي اللذان يمكنانه من مواجهة أية محاولات للمضاربة غير الصحية على العملة.
وفي تصريحات “عامر” ذكر نقطة هامة وهي أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية ( المقصود في الأوراق المالية) شهدت أول تدفق ايجابي خلال شهر يناير الجاري منذ مايو 2018 .. وذلك يعطي طمأنة بشأن تدفقات المستثمرين الأجانب في الأوراق المالية والتي شهدت تراجعًا ملحوظًا في الشهور الماضية .. ليس في مصر فقط ولكن في معظم الأسواق الناشئة، بل وأثرت على عملات الكثير من الدول وعلى رأسها تركيا والأرجنتين والبرازيل وغيرها من الدول.
وقد قلل من تأثيرات خروج الاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية من السوق المصري ( تراجعت من نحو 23 مليار دولار إلى نحو 10 مليارات دولار في الوقت الراهن) أن البنك المركزي جنّب جزءًا كبيرًا من هذه الاستثمارات في حساب بعيدًا عن الاحتياطي النقدي للبلاد، وهو ما حفظ الاحتياطي من مواجهة هزات عنيفة .. بل وقد تم الحفاظ على قيمته بما يغطي 9 أشهر واردات سلعية وهي نسبة تزيد كثيرًا عن نسب الآمان العالمية الخاصة باحتياطيات النقد الأجنبي والتي تفترض أن تغطية الاحتياطي لما يزيد على 3 أشهر واردات يعد في نطاق الحدود الآمنة.
وتشهد البلاد تحسنًا في تدفقات النقد الأجنبي من كافة القطاعات وعلى رأسها السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وقناة السويس والتصدير وتحويلات المصريين في الخارج التي سجلت مستويات قياسية مقتربة من 25 مليار دولار.. لكن ذلك لا يعني أنه ليس هناك تحديات فالبلاد ملتزمة بسداد ديون خارجية خلال الفترة المقبلة.
أداء بعض مصادر النقد الأجنبي للبلاد في 3 أشهر
مصادر النقد الأجنبي | يوليو/ سبتمبر 2017 | يوليو/سبتمبر 2018 | معدل التغير |
قناة السويس | 1.38 مليار دولار | 1.44 مليار دولار | زيادة 4.3% |
التحويلات | 5.8 مليار دولار | 5.9 مليار دولار | زيادة 1.4% |
الصادرات السلعية (شاملة البترولية) | 5.8 مليار دولار | 6.8 مليار دولار | زيادة 16.2% |
الصادرات البترولية فقط | 1.8 مليار دولار | 2.8 مليار دولار | زيادة 57.6% |
السياحة | 2.7 مليار دولار | 3.93 مليار دولار | زيادة 45.7% |
وتُظهر بيانات رسمية للبنك المركزي أن مصر كان من المقرر أن تسدد ديونًا خارجية بقيمة 14.7 مليار دولار خلال العام الجاري، وبحسب تقرير الوضع الخارجي لمصر الذي أصدره البنك المركزي، فإن مصر ستسدد نحو 6.129 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري و8.608 مليار دولار في النصف الثاني.
لكن البنك المركزي والحكومة نجحا منذ أيام قليلة في تجديد ودائع سعودية كانت ضمن الديون المقرر سدادها خلال العام الجاري وقيمتها تتجاوز 6 مليارات دولار، أى أن القيمة الاجمالية المقرر سدادها تراجعت من 14.7 مليار دولار إلى 8.7 مليار دولار، وقد شهدت مصر سداد مديونيات أكبر من ذلك في الأعوام الماضية، وهو ما يعني أنه رغم تحدي سداد الديون إلا أن ذلك لن يكون له تأثيرًا كبيرًا خلال 2019 على سعر الصرف أو الاحتياطي.
كل المؤشرات والأرقام السابقة تشير إلى أن السوق أصبح أكثر اتزانًا وأنه لا توجد ضغوط يمكن أن تدفع سعر الصرف للإنفلات في الفترة المقبلة .. بل إن المتوقع هو تحرك سعر الصرف صعودًا وهبوطًا في حدود (مقبولة).
والسؤال هنا .. من المستفيد من ترويج الشائعات .. هل هم أصحاب توكيلات ومعارض السيارات .. الذين بدأوا بالفعل الترويج أن سعر الدولار الجمركي سيرتفع وأن أسعار السيارات بناء على ذلك ستزيد .. أم أنهم مضاربون جدد يحاولون إعادة السوق السوداء للعملة بعد أن دهستها قاطرة الاصلاح الاقتصادي وتحرير سعر الصرف.
CNA– تحليل،، أحمد زغلول، كاتب صحفي متخصص في الشأن الاقتصادي