أحمد الألفي يكتب: قراءة فى مؤشرات وول ستريت إثر جائحة كورونا
برغم تراجع إجمالي الناتج المحلي الأمريكي بنسبة 31.7% خلال الربع الثاني من العام الحالي 2020 متاثراّ بجائحة كورونا ، ومثل هذا التراجع التاريخي غير المسبوق في أكبر اقتصاد عالمي منذ الكساد العظيم فى عام 1929 ، مما ينذر بتخطيه مرحلة الإنكماش و الدخول فى مرحلة الركود إذا استمر هذا الإنكماش خلال الربعين المتبقين من عام 2020 ، ولاسيما فى ظل إنعكاسات المتغيرات السياسية والإقتصادية التالية على الإقتصاد الأمريكى :-
- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
- معركة الانتخابات الأمريكية بين بايدن و ترامب
- الهلع من الموجة الثانية من كورونا فى الخريف القادم
و برغم هذا الإنكماش الغير مسبوق منذ قرن تقريباّ لأكبر اقتصاد فى العالم ينتج ربع الناتج العالمى ، إلا أن أداء البورصة الأمريكية جاء مغايراّ تماماّ ومسجلاّ لرقم قياسي غير مسبوق أيضاّ ، حيث سجل مؤشر (S&P 500) 3400 نقطة ، ولا تعكس نقاط هذا المؤشر الانكماش الكبير فىإجمالي الناتج المحلي الأمريكي، حيث سجلت أسواق الأسهم الأمريكية المؤشرات التالية:-
1- سجل مؤشر (S&P 500) 3400 نقطة.
( مؤشر ستاندرد أند بورز و يشار إليه فى الصحافة الإقتصادية بأى من الإختصارين S&P أو 500S&P و هو مؤشر سوق الأسهم أمريكية ، و يقيس أداء أكبر 500 شركة مسجلة في سوق الأسهم الأمريكية إعتماداً على القيمة السوقية للأسهم المتداولة في بورصتي (NYSE) و ( NASDAQ)
2- سجلت القيمة السوقية لشركة أبل 2.2 تريليون دولار ( تضاعفت القيمة السوقية لها خلال عامين تقريباّ )
3- 38% من الأسهم المتداولة حققت أرباح بينما 62% من الأسهم المتداولة حققت خسائر
4 – عدد 43 سهم فقطمن أسهم الشركات المتداولة حققت أرباح بمعدل أكبر من 25% وأهمها أسهم شركة أمازون وأسهم بعض شركات التكنولوجيا
5-أسهم شركات السلع الأساسية و شركات التكنولوجيا و شركات قطاع الرعاية الصحية وشركات الاتصالات هى القطاعات التي قادت إرتفاع المؤشر ، وفى مقدمتها آبل و أمازون وفيس بوك ومايكروسوفت و الفابيت ، و يعني ذلك تركز الصعود فى عدد محدود جدأ جداّ من الأسهم
6- عدد 163 سهم من أسهم الشركات المتداولة حققت خسائر بمعدل أكبر من 25% و أهمها شركات قطاع السياحة
7-أسهم شركات قطاع الطاقة والقطاع العقاري والقطاع المالى و باقى القطاعات الأخرى هى القطاعات التي حققت هذه الخسائر
8- تراجع الوزن النسبي لقطاع الطاقة فى مؤشر (S&P 500) من حوالى 11% فى عام 2010 إلى 2.5% فى عام 2020 وخرجت شركة إكسون موبيل من مؤشر داو جونز رسمياّ فى 31 أغسطس 2020 – بعد نحو قرن كامل من تواجدها بهذا المؤشر- بعد تراجع قيمتها السوقية بنحو 41% فى عام 2020 لتحل محلها شركة سيلز فورس التي إرتفعت قيمتها السوقية بنحو 34% فى عام 2020
9- صعود الوزن النسبي لقطاع التكنولوجيا فى مؤشر (S&P 500) من حوالى 18.5% فى عام 2010 إلىنحو 28 % فى عام 2020 مدعوماّ بوصول القيمة السوقية لشركة أبل 2.2 إلى تريليون دولار في عام 2020
و بقراءة تحليلية لهذه المؤشرات ، نستخلص الأتى :-
أولًا- حوالى ثلثى كبرى الشركات الأمريكية المدرجة فى المؤشر ، أى حوالى 330 شركة من أصل 500 شركة أمريكية كبرى قد حققت خسائر بدرجات متفاوتة ، بينما التى حققتأرباححوالى ثلث كبرى الشركات الأمريكية المدرجة فى المؤشر ، أى حوالى 170 شركة من أصل 500 شركة أمريكية كبرى ، و تتطابق هذه النتيجة تماماّ مع حالة التراجع الكبير فى أداء الإقتصاد الأمريكي ، حيث تتطابق مع مقولة أن البورصة مراّة لحالة الإقتصاد ، بينما إذا نظرنا إلى ال 3400 نقطة القياسية التي سجلها مؤشر (S&P 500) فإن مجرد إرتفاع المؤشر (S&P 500)- حتى لو كان بنسب كبيرة – يتناقض بدرجة كبيرة جداّ مع تراجع أداء الإقتصاد الأمريكي، ومن ثم لا تكون البورصة مراّة لحالة الإقتصاد ، اللهم إلا إذا كانت مراّة معتمة!!
ثانيًا- 43 شركة فقط ( حوالى 9% من كبرى الشركات الأمريكية المدرجة فى المؤشر) حققت أرباح كبيرة بواقع 25% فأكثر ، بينما حققت 163 شركة(حوالى 35% من كبرى الشركات الأمريكية المدرجة فى المؤشر) خسائركبيرة بواقع 25% فأكثر ، و يفسر ذلك أن مجرد إرتفاع مؤشر (S&P 500) ليسجل 3400 نقطة لا يعكس تردى أداء ثلث الشركات المدرجة بالمؤشر مقابل جودة أداء 9% فقط الشركات الأمريكية المدرجة فى المؤشر!!
ثالثًا- برغم الإرتفاع القياسي لمؤشر(S&P 500)، فإن هذا الإرتفاع الخادع لا يفصح عن تراجع أداء معظم الشركات الأمريكية المدرجة فى المؤشر ، حيث يقود هذا الإرتفاع عدة أسهم لشركات قليلة فى قطاعات إقتصادية محدودة تخفى ورائها خسائر غالبية الشركات المدرجة فى المؤشر !.
وإزاء هذا التناقض الصارخ بين التراجع الكبير فى أداء الإقتصاد الأمريكي و بين إرتفاع مؤشر (S&P 500) إرتفاعاّ قياسياّ مسجلاّ 3400 نقطة ، حيث يتردد بقوة وجود فقاعة كبيرة جداّ قابلة للانفجار الذاتى و اللحظي في أسهم شركات قطاع التكنولوجياّ ، وذلك على غرار فقاعة أسهم شركات الدوت كوم فى عام 2000.
و لا يختلف الوضع كثيراّ فى البورصات الأوربية و الاسيوية عن ما يجري فى البورصة الأمريكية ، حيث إرتفعت مؤشرات هذه البورصات إرتفاعاّ كبيراّ ، ولكن ليس إرتفاعاّتاريخياّ كالبورصة الأمريكية ، و يعزى الخبراء ذلك إلى عودة الأموال الرخيصة بعد تصفير و تدنى أسعار الفائدة على العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار الأمريكى.
فضلاّ عن تراجع الدولار الأمريكي عالمياّ أمام العملات الرئيسية على النحو الذى سجله مؤشر الدولار الأمريكي مؤخراّ ( مؤشر الدولار هو مؤشر يقيس على أساس مرجح قيمة الدولار الأمريكي بالنسبة لسلة منالعملات الرئيسية هي اليورو والجنيه الإسترلينى والين الياباني والفرنك السويسري والدولار الكندي والكورونا السويدية ).
و ثمة تفسير اّخر لمثل هذا التناقض – ويسرى على كل البورصات بشكل عام – مؤداه أن إتخاذ قرارات البيع والشراء فى البورصات هو العامل الحاسم لحالة البورصة صعوداّ أو هبوطاّ ، وهذه القرارات يتخذها يومياّ ملايين المتعاملين وتتخذ غالباّ بناء على توقعات قد تخطئ وقد تصيب مهما كان مستوى دقتها وجودتها لأنها ستظل توقعات غير يقينية إلى أن تتحقق فعلاّ ، لذلك يصعب كثيراّ التنبؤ بسلوك المتعاملين فى البورصات.
لذلك نجد أن أداء بعض البورصات فى بعض الأحيان يتناقض مع كل من المنطق و المبادئ الإقتصادية ، حيث ترتفع أسعار أسهم شركات خاسرة و تنخفض أسعار أسهم شركات رابحة !!
وتفسر مسألة صعوبة التنبؤبسلوك المتعاملين فى البورصات لماذا يخسر80% منهم بينما يربح 20% فقط .
لذلك ، فإن قراءة المؤشرات الإقتصادية المنشورة يجب أن يمتد إلى كافة التفاصيل ، أى ما بين السطور و لا تؤخذ على علاتها و لا من عناوينها الرئيسية .
قول غير مأثور
لا يخسر غالبية المتعاملين فى البورصة لأنهم يضعون البيض فى سلة واحدة
بل لأنهم باعوا السلال وراهنو بثمنها على الاسم !.
CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفي، كاتب اقتصادي ومصرفي