مقال.. التضخم والفشل الحكومي
تحولت سوق العمل في بعض الدول التي تشهد حروبا نحو الأسوأ. فالمهارات غير متوافرة، وقد اضطر أرباب العمل إلى عرض أجور أعلى كثيرا لاجتذاب العمال. قد ينجح هذا لفترة قصيرة، لكن سرعان ما سيلاحظ الناس أن رواتبهم الأضخم لا تزال غير كافية لشراء احتياجاتهم.
ويقدم لنا التاريخ دروسا قوية في هذا الصدد. كانت التضخمات الديناميكية المركزية التي أفلست الميثاق الاجتماعي الذي أبرمه قيصر روسيا في العقد الثاني من القرن الـ20.
ففي أثناء الحرب العالمية الأولى، لجأت الإمبراطورية الروسية في ظل العجز في ميزانيتها إلى مطبعة النقود. ولأن روسيا كانت من أكبر الدول المصدرة للحبوب في الأعوام السابقة للحرب، فقد كان بوسع الفلاحين في مستهل الأمر بيع فائض محاصيلهم من الحبوب إلى مكاتب المشتريات العسكرية، التي كانت على استعداد لدفع أسعار أعلى.
لكن بحلول أواخر 1916، كان التضخم في تسارع، ولاحظ الفلاحون أن الروبل الورقي لم يعد يشتري لهم الكثير. وبدلا من الاستمرار في بيع حبوبهم، أصبحوا يطعمون بها مواشيهم.
ومن الأهمية أن نعلم أن النقود الورقية في ذلك الوقت كانت تستحضر بشكل مباشر صور السلالة القيصرية ـ وجه بطرس الأكبر على الورقة النقدية من فئة 500 روبل، ووجه كاثرين العظمى على الورقة النقدية من فئة 100 روبل. وعلى نحو مفاجئ، لم تعد هذه الشخصيات التاريخية العظيمة تبدو عظيمة. وأصبحت الأوراق النقدية التي تحمل وجوههم عديمة القيمة، وامتنع الفلاحون عن قبولها كأجر.
ومع انهيار المعروض من الحبوب، تسبب نقص الطعام الناجم عن ذلك في إشعال الاضطرابات في المناطق الحضرية والتي تـوجـت بالثورة المزدوجة في 1917. توقف الجنود عن القتال لأنهم لم يعد بوسعهم شراء أي شيء بأجورهم. وعلى هذا فقد فضلوا العودة إلى قراهم، حيث قد يتمكنون على الأقل من إيجاد ما يطعمون به أنفسهم.
فبمجرد وصول البلاشفة الأوائل إلى السلطة، كان لزاما عليهم أن يفعلوا أي شيء لاستعادة استقرار الأسعار، لذا توصلوا إلى فكرة الإشارة الصريحة إلى الذهب في اسم العملة الجديدة: chervonets (العملات الذهبية). حتى إنهم سكوا بعض العملات الذهبية. يتسم التاريخ النقدي الروسي بدرجة غير عادية من الاستمرارية.
فالورقة النقدية الحالية من فئة 500 روبل، والمصممة في 1997، تحمل مرة أخرى صورة بطرس الأكبر.
بشكل عام ينقلب الناس على الحكومات التي تنكص وعودها، ويشكل المال أحد أقدم هذه المواثيق.
وأصبحت المكائد النقدية الآن من أكثر العلامات الملموسة وضوحا في الدلالة على عجز أي نظام عن تحقيق ما وعد به. إنه نظام في طريقه إلى الرحيل في نهاية المطاف، لأنه قطع أواصر الثقة مع الشعب.
CNA– مقال بقلم،، هارولد جيمس، مؤرخٌ اقتصادي متخصصٌ
نقلًا عن بروجيكت سنديكيت