مقال| لماذا يصمد “الجنيه” الآن؟
تشكلت في الفترة الأخيرة دوامة كبيرة مصدرها الحرب التجارية التي قرعت طبولها الولايات المتحدة، لتبتلع هذه الدوامة الكثير من عملات الاقتصادات الناشئة التي أصبحت تدور في مسارات اجبارية من الخسائر والإنهيارات .. لكن وفي ظل ذلك يبدو أن الجنيه المصري الذي تم “تعويمه” منذ ما يقرب من العامين، قد أصبح أكثر قدرة على مواجهة الدوامة العاتية..
لا شك، بالطبع، في أن تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 قد كان له تأثيراته على الجنيه .. لكن خطوة تحرير سعر الصرف استطاعت أن تحمي الجنيه في الوقت الراهن، من تأثيرات صعبة كان من الممكن أن تلقي به بعيدًا عن مستوياته الحالية ، فنرى الدولار مثلًا عند مستويات تتجاوز 20 جنيهًا، ومن يدري إلى أين كان سيصل الأمر؟.
تعالوا نلقي نظرة على عملات عدد من الدول، ومدى تأثرها بالحرب التجارية العالمية التي أدار رحاها ” دونالد ترامب” وفاقمت من المشكلات الاقتصادية للاقتصادات الناشئة، لندرك مدى عنف هذه التأثيرات وكيف كان سيصبح حالنا إن كنا في وضع هزيل .. الروبية الهندية ، عُملة سابع اقتصاد عالمي، خسرت 11.8%، البيزو الأرجنتينية، عملة ثالث اقتصاد بأمريكا الجنوبية، خسرت 51.5%، الراند الجنوب إفريقي فقد 19%.
كذلك الروبية الإندونيسية فقدت نحو 8%، الريال البرازيلي خسر 21.5%، الليرة التركية خسرت 43%، والريال الإيراني فقد 75% من قيمته.
وما يشهده الاقتصاد العالمي من ارتباك وتصاعد في قلق المستثمرين، يخلق، بلا ريب، ضغوطًا على الاقتصاد المصري، فنحن لسنا بعيدين عن التأثيرات .. لكن ما تحقق في الفترة الأخيرة وما تم اتخاذه من إجراءات في إطار برنامج الاصلاح الاقتصادي، يجعلنا أكثر صلابة في وجه التحديات المختلفة التي لا أحد يعلم إلى أين ستأخذ الاقتصاد العالمي لو أن الولايات المتحدة استمرت في سياساتها التجارية الحمائية.
وقد كان التأثير السلبي الأبرز محليًا جراء ارتباك الاقتصاد العالمي، تخارج استثمارات أجنبية في أذون الخزانة المصرية بقيمة تتجاوز 5 مليارات دولار في الأشهر القليلة الماضية، وكان من الممكن أن يحدث ذلك تأثيرات على قيمة الاحتياطي النقدي للبلاد، وسعر الصرف أيضًا، لكن هناك إجراءات حالت دون حدوث ذلك كان أبرزها قيام البنك المركزي باستبعاد الجزء الأكبر من استثمارات الأجانب في أذون الخزانة من الاحتياطي النقدي وتجنيبها في حساب خاص، مما جعل خروج هذه الأموال من البلاد بردًا وسلامًا على سعر الجنيه وقيمة الاحتياطي.
وما يجلعنا أكثر صلابة الآن هو تحسن تدفقات النقد الأجنبي من السياحة بعد انكماش حاد، والاستثمار الأجنبي المباشر الذي ارتفع بشكل كبير لاسيما في القطاع النفطي، وارتفاع تحويلات المصريين في الخارج إلى أعلى مستوى متجاوزة 26 مليار دولار لأول مرة، إلى جانب تراجع العجز التجاري وإن كان بشكل نسبي.. لكن رغم ذلك تظل التحديات قائمة وتفرض علينا الاستمرار في إجراءات الاصلاح الاقتصادي.
CNA– مقال بقلم،، أحمد زغلول، كاتب صحفي متخصص في الشأن الاقتصادي