مقال| توحش الرأسمالية المالية
تعنى الرأسمالية المالية حجم الأموال المستثمرة فى القطاع المالى فى الإقتصاد، ويضم القطاع المالى فى أى إقتصاد البنوك وشركات التأمين وصناديق الإستثمارات المالية، أى بإختصار شديد قطاع الخدمات المالية الذى يكون المال هو مدخلاته ومخرجاته فى آن واحد.
ولاشك أن إزدهار الإستثمارات المالية فى القطاع المالى يعد أحد أهم العوامل المؤثرة فى النمو الإقتصادى حيث يزود القطاع المالى سائر القطاعات الإقتصادية الأخرى بالتمويل المطلوب لإجراء التوسعات فى النشاط الإقتصادى، ومن ثم تحفيز معدل النمو الإقتصادى بواسطة ضخ الأموال فى القطاعات الإقتصادية المختلفة، لأن تحقيق النمو الإقتصادى يتطلب زيادة الإستثمارات، حيث يعتمد معدل النمو الاقتصادى إعتماداً كبيراً على معدل الإستثمار فى الإقتصاد و يتوقف معدل الإستثمار بدوره على معدل الإدخار وعلى ضخ رؤوس الأموال والقروض الجديدة فى شرايين الإقتصاد.
ومع التسليم الكامل بهذه العلاقة بين معدل النمو ومعدل الإستثمار، فإن هذه العلاقة ليست مطلقة ولا خطية، لأن نمو وإزدهار القطاع المالى يكون مفيداً للإقتصاد عند حد معين, وبعد هذا الحد يكون نمو القطاع المالى عبئاً كبيراً على الإقتصاد، ويرجع ذلك إلى أن الموارد الإقتصادية المحدودة بطبعية الحال تكون محل منافسة بين القطاع المالى وبين سائر القطاعات الإقتصادية الأخرى.
إذن فالمنطق الإقتصادى المتعلق بقضية أفضل تخصيص للموارد الإقتصادية هو الحاكم لهذه العلاقة، لذلك فإن النمو الكبير فى القطاع المالى بدرجة أكبر من معدل نمو القطاعات الإقتصادية السلعية و الخدمية الأخرى و لاسيما القطاعات السلعية يعد خطراً كبيراّ على النمو الإقتصادى بمنطق تخصيص الموارد الإقتصادية ولاسيما رأس المال، ولاشك أن الأزمة المالية العالمية تعد أحد مظاهر توحش الرأسمالية المالية وهيمنتها السياسية والإقتصادية على مقدرات ومستقبل الشعوب المتقدمة و المتخلفة معاّ.
فعلى المستوى العالمى قد حقق القطاع المالى معدلات نمو كبيرة جداً وبمعدلات متضاعفة ومتوالية بدرجة أكبر من معدلات نمو القطاعات الإقتصادية الأخرى, ولاسيما القطاعات الإنتاجية، وإستحوذت معدلات نمو القطاع المالى على الموارد المالية و حجبتها بقدر كبير جداّ عن القطاعات الإقتصادية الأخرى، حيث تشير الدراسات الإقتصادية العالمية إلى مؤشرات خطيرة تتعلق بتوحش وتغول القطاع المالى فى الإقتصاد.
ومن بين هذه المؤشرات تزايد مساهمة القطاع المالى فى إجمالى الناتج المحلى بمعدل 500% خلال العشرين عاماً الماضية ، وإنعكس ذلك على مؤشر آخر هو إرتفاع مستوى الأجور فى القطاع المالى مقارنة بالقطاعات الإقتصادية الأخرى بعدة أضعاف مما يحرم القطاعات الأخرى من الكفاءات البشرية التى يستحوذ القطاع المالى عليها بالأجور السخية و الفلكية.
وبرغم تزايد مساهمة القطاع المالى فى إجمالى الناتج المحلى الإجمالى للدول للرأسمالية المتقدمة وفى مقدمتها الولايات المتحدة, إلا أن هذه المساهمة تنطوى على مساهمة ريعية بدرجة أكبر من كونها قيمة إقتصادية حقيقية مضافة من جهة، ومن جهة أخرى فإن توحش الرأسمالية المالية يعد أحد أهم أسباب إنعدام العدالة فى توزيع الدخول والثروة معاً.
حيث يستحوذ العاملين فى القطاع المالى على الدخول الكبيرة , كما يجنى كبار الرأسماليين النصيب الأعظم من الأرباح، لذلك فإن الرأسمالية المالية تعد أحد أهم العوامل المضادة لكل من العدالة الإقتصادية الإجتماعية معاً.
أما فى مصر، فإن مظاهر الرأسمالية المالية لا تبدو جلية مقارنة بالرأسمالية الطفيلية و الريعية ، برغم تسارع معدلات نمو القطاع المالى المصرى بمعدلات أكبر من معدلات نمو القطاعات السلعية و الانتاجية , و برغم و جود طبقة من العاملين بالقطاع المالى تتقاضى أجورًا فلكية.
ويرجع ذلك إلى أن معاناة الإقتصاد تكمن فى نمو القطاعات غير الإنتاجية و الريعية بمعدل أكبر وأسرع من القطاعات الإنتاجية , و يترجم ذلك إلى خلل هيكلى فى البنية الإقتصادية يؤدى إلى عجز كبير مزمن ومتزايد فى كل من الميزان التجارى والموازنة العامة، وذلك بفعل توحش الرأسمالية الطفيلية و الريعية الناشئة عن كل من العائلات الإحتكارية والخصخصة و اّلية تخصيص الأراضى و زواج السلطة برأس المال , والنتيجة ثورتين عظيمتين، ولكن يبقى الحال على ما هو عليه لحين ورود إشعار اّخر!!
حكمة مازحة
لماذا توحشت الرأسمالية المالية؟؟
لأن عوائدها سريعة ووهمية!!
CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفى، خبير مصرفى و كاتب له عدة مؤلفات فى البنوك و الاقتصاد