مقال .. سندات الكوكو وخرق الضوابط الرقابية فى الاقتصاد العالمى
تسمح بعض النظم الإقتصادية الغربية الرأسمالية والنظام الإقتصادى العالمى بوجود أدوات ديون مختلطة تجمع بين خصائص رأس المال أو حقوق الملكية، و بين خصائص الديون أو السندات فى آن واحد، ويفرز هذا الخلط خصائص متناقضة أو متضادة فى ذات الوقت هى أدوات الديون المختلطة أو أدوات الديون الهجين hybrid .
ويكمن الهدف من وراء هذا الخلط أو المزج بين هذه المتناقضات فى الإلتفاف حول القوانين والضوابط الرقابية التى تفرض على أنشطة إقتصادية معينة الإحتفاظ بحد أدنى من رأس المال المملوك، ومن بين هذه الأنشطة المؤسسات المالية من بنوك وشركات تأمين ،أى الأنشطة التى تعمل بأموال الغير بدرجة أكبر من رؤوس أموالها، والحكمة من وراء هذا القيد الرقابى على هذه الأنواع من المؤسسات المالية تكمن فى عدم تعريض أموال الغير وحدها للمخاطر المصاحبة لممارسة أنشطتها، ولا سيما أموال المودعين فى البنوك ، والحقوق التأمينية لحملة وثائق التأمين فى شركات التأمين.
ومن هنا يبدأ الإلتفاف على هذه الضوابط الرقابية وإختراقها بإستحداث أدوات مالية جديدة تحقق إستيفاءا جزئيًا وإختراقا كليا للضوابط الرقابية المنظمة للحد الأدنى لرأس المال أو للملاءة المالية لهذه المؤسسات المالية بشكل عام .
وتزامن هذا الإختراق مع ظهور مفهوم كفاية رأس المال فى البنوك لمواجهة المخاطر التى تواجهها ، حيث بدأ التفكير فى إختراق معيار كفاية رأس المال بإصدار أدوات مالية مختلطة تجمع بين خصائص حقوق الملكية وخصائص السندات معاّ، وذلك رغبة من ملاك البنوك فى عدم ضخ الأموال الكافية فى حقوق الملكية والإعتماد بدرجة أكبر على أموال المقرضين فى تمويل عمليات وأنشطة البنوك و المؤسسات المالية، ويعنى ذلك زيادة الروافع المالية لها leverage.
ومن بين هذه الأدوات المالية ما يعرف فى الصحافة الإقتصادية بأسم سندات الكوكو، ويستمد هذا النوع من السندات أسمه من أول حرفين من الكلمتين باللغة الإنجليزية لأسم هذه السندات ، وهما CONTINGENT CONVERTIBLE أى حرفى CO من كل كلمة منهما أى CO CO .
ويعنى هذا النوع من السندات أنها سندات قابلة للتحويل إلى أسهم ، ولكن هذا التحويل إلى أسهم يكون مشروطاً أو معلقاً على تحقق عدة شروط فى المستقبل ، ألا و هى تراجع مستوى حقوق الملكية فى البنك إلى مستوى أقل من الحد الأدنى لرأس المال المقرر بواسطة السلطات الرقابية التى يخضع البنك لولايتها الرقابية ، أو أن يحقق البنك خسائر غير عادية أو غير متوقعة UNEXPECTED LOSS أو غير متحوط لها مسبقاً.
ويترتب على ذلك أن سندات الكوكو هذه تكون مجرد سندات أو صكوك ديون خالصة عند الإصدار ، ويتوقف تحويلها إلى أسهم أو إلى صكوك ملكية على تحقق بعض الوقائع فى المستقبل ، فهى سندات خالصة وأسهم عرضية معاّ ، أى قائمة على نفس منهج معالجة الإلتزامات العرضية التى تتحول إلى إلتزامات فعلية بناءاّ على تحقق بعض الوقائع فى المستقبل كالاعتماد المستندى وخطاب الضمان، فالإعتماد المستندى يتحول من إلتزام عرضى إلى إلتزام فعلى عند تقديم مستندات الشحن مطابقة تماماّ لشروط الاعتماد ، كما يتحول خطاب الضمان من إلتزام عرضى إلى إلتزام فعلى عند تقديم المستفيد مطالبة بتسييل أو بمصادرة قيمة خطاب الضمان.
إذن فهى سندات خالصة مالم تتحقق هذه الوقائع فإذا تحققت تتحول بطريقة تلقائية إلى أسهم، وعندئذ تتحول إلى أسهم خالصة، لذلك تعد أداة دين و أداة رأسمال معاّ بفاصل زمنى مشروط وغير معلوم أجله مقدما أو سلفاُّ.
وبصفة عامة يعتبر حائز أو حامل السند بمثابة دائن للجهة مصدرة السند، و يحق له تقاضى الفائدة المنصوص عليها فى نشرة الإكتتاب عند إصدار السند بصرف النظر عن تحقيق الجهة المصدرة للسند لأرباح من عدمه ( أى يتقاضى الفائدة حتى فى حالة تحقيق الجهة المصدرة للسند لخسائر ) ، كما يحق له إسترداد قيمة السند كاملاّ فى تاريخ إستحقاقه ، لأن العلاقة بين حامل السند و بين مصدر السند علاقة دائنية ( أى علاقة دائن بمدين ).
بينما يعتبر حائز أو حامل السهم مالك أو مساهم فى رأسمال الجهة مصدرة السهم ، و يتحمل مخاطر الإستثمار بمعنى جنى و إقتسام الأرباح ( فى حالة تحقيق ربح ) و تحمل الخسائر( فى حالة تحقيق خسارة )، فالعلاقة بين حامل أو مالك السهم و بين مصدر السهم علاقة شراكة تتبلور فى مشاركة الارباح و الخسائر ، لذلك يتضمن الإستثمار فى الأسهم مخاطر أكبر من الإستثمار فى السندات ، و ينعكس ذلك بجلاء على حالة الأسواق المالية ، حيث تكون تقلبات أسعار الأسهم فيها جامحة و أكثر حدة من التقلبات فى أسعار السندات التى تتسم بالهدوء و الإستقرار نسبيا ّ، لأن قيمتها السوقية تتقلب صعودا و هبوطا طبقاّ لإتجاهات التغير فى أسعار الفائدة فى الأجلين المتوسط و الطويل ، و التى تتراوح عادة بين ربع فى المائة و 2%، و تتميز بالتغير التدريجى صعودا وهبوطًا.
وبعض البنوك العالمية تمنح مديريها حوافز عينية فى صورة سندات كوكو مجانية، وذلك بعد تضييق الخناق نسبياّ على مكافآت المصرفيين الفلكية فى أعقاب الأزمة المالية العالمية طبعة 2008، حيث باتت الحوافز النقدية مقيدة إلى حد ما ، لذلك فكروا فى الحوافز العينية فى صورة سندات ، إنه التحايل للغرف من أموال المودعين بأسلوب علمى و عملى منظم للغاية !!.
لذلك تعكف السلطات الرقابية فى الإتحاد الأوروبى حالياً على دراسة الأمر و وضع قواعد تقيد وتحدد مدى إستفادة كبار المديرين المصرفيين من الحصول على مكافأت فى صورة سندات كوكو، لأن حائز سند الكوكو من المصرفين يستطيع تسييله بسهولة بالبيع فى البورصة، وبذلك تكون جميع القيود بمثابة أحبار باهتة على أوراق بالية!! وهذه القضية.
تعكس كيفية التحايل المنظم والمقنن على المعايير ، وعلى أى ضوابط وقواعد ، ويعكس ذلك فى طياته سطوة البنوك مما يصعب معه فرض حد أقصى للأجور مقبول عالمياً ولا محلياً لأن مخالب الضلال المصرفى عفية ومعدية أيضاّ !!!
و الجدير بالذكر الفشل محليا فى إقرار حد أقصى للأجور برغم ترسانة القوانين و القرارات التى صدرت فى هذا الشأن و التى كان مصيرها البطلان و العوار و العدم و الـ….. ؟؟ وكأن أصحاب الأجور الفلكية ملاك لهذه البنوك – و غيرها – يقررون لأنفسهم ما يحلو لهم من مرتبات برغم كونهم أجراء فيها لا ملاك لها!!
حكمة مازحة
ما الفرق بين سندات الكوكو و الكوكو واوا ؟؟
الأولى أدوات مالية هلامية والثانية ثرثرة كلامية!!
CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفى، خبير مصرفى و كاتب له عدة مؤلفات فى البنوك و الاقتصاد