مقال .. المتآمرون على البنك المركزى
يتعرض البنك المركزى،فى الأسابيع الأخيرة، لمؤامرة كبرى تستهدف زعزعة الثقة فى إدارته،وإحداث تراجع عنيف فى سعر صرف العملة الوطنية،ومن ثم إرباك المشهد الاقتصادى بصفة عامة .. فالتلاعب بأسعار الصرف والتشكيك فى كفاءة البنوك المركزية يستطيع أن يقض مضاجع المسئولين والمستثمرين فى أقوى الدول لما له من تأثيرات سلبية كبيرة.
وتتمثل المؤامرة فى نشر كم كبير من الشائعات المتلاحقة عن البنك المركزى وسعر الصرف ،والترويج لها بمواقع التواصل الاجتماعى وبعض المواقع الاخبارية ووسائل الاعلام .. وخلال الأيام الماضية توالت الشائعات،وكان على رأسها نشر أسعار صرف مرتفعة للدولار تسبق السوق السوداء،وتفتح الباب لإحداث هزة عنيفة فى سعر الصرف، وإجبار البنك المركزى على تخفيض سعر الجنيه رسميًا.
وهناك عدد مهول من الصفحات بمواقع التواصل الاجتماعى تلتقط هذه الشائعات وتروج لها بشكل واسع حتى تصير أمرًا واقعًا.
أما الشائعة الثانية فكانت عبارة عن خبر مفاده أن البنك المركزى قرر حظر نشر أسعار صرف الدولار بالسوق السوداء،وهى الشائعة التى أنفجرت على إثرها موجة تهكم كبيرة بين المواطنين رفضًا لكل ما يقال أنه محظور أو ممنوع .. تلاها شائعة عبارة عن معلومة مغلوطة تقول أن طارق عامر ،محافظ البنك المركزى، خريج كلية الآداب وأنه غير مؤهل لإدارة “المركزى”،وكانت ردود الأفعال على هذه الشائعة أن أغلب المسئولين غير مؤهلين ،وأن شهاداتهم الدراسية لا تتفق مع ما يقومون به من مهام،وأن ذلك هو سبب كبوة البلاد،وأنها تتجه بهم إلى المنحدر وغير ذلك من التعليقات التى تتفجر غضبًا.
والجدير بالذكر هنا أن “طارق عامر” خريج كلية اقتصاد وإدارة أعمال من الجامعة الأمريكية بالقاهرة،وله تاريخ كبير فى العمل المصرفى،حيث عمل ببنك أوف أمريكا وسيتي بنك بالخارج، وتولى منصب نائب رئيس بنك مصر، كما تولى رئاسة البنك الأهلي المصري، وترأس اتحاد البنوك المصرية، وشغل منصب نائب محافظ البنك المركزي المصرى .. وتتفق أو تختلف معه إلا أن تاريخه ومؤهلاته كفيلان بأن يدفعانه إلى منصب محافظ البنك المركزى.
ولم يتوقف الأمر عند ما سبق فيستمر سيل الشائعات لتتناول بعض الصحف الالكترونية ومن ثم مواقع التواصل الاجتماعى،خبرًا مختلقًا عن استقالة طارق عامر ،محافظ البنك المركزى،وهو ما يحدث حالة ارتباك كبيرة، واتصالات لم تتوقف بالبنك المركزى من جانب كل المهتمين للتأكد من صحة الخبر،وحتى بعد أن خرج محافظ البنك المركزى لينفى الشائعة،روجت ذات المواقع لشائعات أن هناك اتجاه لدى رئيس الجمهورية لقبول استقالة “عامر” وتعيين حسن عبد الله،رئيس البنك العربى الافريقى محافظًا جديدًا،والغريب فى الأمر أنها وجدت من يصدقها ويروج لها، ويتخذ قرارات بناء عليها.
والسؤال الأن .. هل تتوقف هذه الشائعات ؟ .. والإجابة (لا طبعًا) ، لأنه ليس محض صدفة أن تنطلق موجة شائعات متلاحقة بهذا الشكل فى ذات الوقت وأن تركز على مؤسسة اقتصادية واحدة فى الدولة (البنك المركزى) .. فوراء هذه الشائعات متآمرون على البنك المركزى واقتصاد الدولة،يريدون تركيع الوطن أمام مصالحهم الشخصية، أو انتمائتهم السياسية.
وراء هذه الشائعات رجال أعمال فى صدام مع مؤسسات الدولة،لأن لهم مصالح تتنافى مع الصالح العام والأمن القومى ،ومع ذلك يصرون عليها،ولو لم ينالوها يوظفون أذرعهم الاعلامية لبث الشائعات التى فى وجهة نظرهم وسيلة عقاب للمسئولين،فى حين أنها تزعزع استقرار اقتصاد الدولة .. وراء هذه الشائعات متربصون بالنظام السياسى للدولة من جماعة الاخوان ومن على شاكلتهم .. فلتنظروا إلى صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الاخبارية التى يمتلكونها ومدوناتهم،وكم الأكاذيب التى يروجون لها عن الاقتصاد،والأخبار والمعلومات الملفقة، فأغلب الشائعات تكون صادرة منهم.
وراء هذه الشائعات متربحون ومنتفعون من بعض أصحاب شركات الصرافة التى تم شطبها نتيجة التلاعب فى سعر العملة،وأخرى لازالت تعمل وتضارب وتتلاعب بسعر الصرف لجنى المزيد من المكاسب على حساب مصالح البلاد.
ولأن كل هؤلاء المنتفعين والمتربصين والمُلفّقين وراء الشائعات والمؤامرات التى تحاك ضد الدولة،فمن العيب علينا كمواطنين – تقع علينا التأثيرات السلبية لكل ما يفعله هؤلاء- أن نشاركهم فى الترويج والتصديق لكل ما يبثونه من أكاذيب،وأن ننقاد إلى ما يستهدفون أن نصل إليه من فقدان الثقة فى مؤسسات الدولة الاقتصادية وفى اقتصادنا الوطنى وأن نكون معولًا يهدمون به كل ما يُبنى.
ولا يعنى حديثى عن المؤامرة التى يتعرض لها الاقتصاد،أنه لا توجد مشكلات حقيقية نعانى منها،لكن المغرضون ينفخون فى هذه المشكلات بشائعاتهم وبكل الوسائل حتى تتحول إلى قنبلة تنفجر فى وجه الوطن.
CNA– مقال بقلم ،،أحمد زغلول ،الكاتب الصحفى المتخصص فى الشأن الاقتصادى