مقال .. “السرقة” بعلم الوصول
تقول اسطورة كوميدية تراجيدية شعبية إن “الفقر” كان رفيقًا لرجل فى صعيد مصر،ظل ذلك الرجل يعانى ويلات الفقر،حتى قرر ترك دياره إلى “القاهرة” العامرة،علّه يجد بحبوحة فى رزقه ، وحينما وصل إلى محطة القطار .. أدرك أنه نسى شاله، فقرر العودة لإحضاره .. وحينما وصل بيته وجد الفقر يلف الشال حول خصره راقصًا ومدندنًا “هنروح مصر ..هنروح مصر .. هنروح مصر”.
هكذا هو حالنا مع الفساد الإدارى فى الدولة ..يظل يطاردنا إينما حللنا فى كل العصور،وفوق كل الظروف، والسبب فى ذلك أنه ليست هناك إرادة حقيقية لدينا لمواجهته ،تتنوع الإجراءات .. وتتكرر التصريحات، إلا أن ما يُتّخذ فعليًا حيال ما نعانى منه من فساد لا يرقى لحجم طموحاتنا فى أن نصبح ،يومًا ما،دولة ذات شأن.
الحكومة ،رغم تصريحاتها المتكررة بشأن مواجهة الفساد الإدارى، تكون أحيانًا هى الراعية له،وما أورده هنا مجرد مثال بسيط لأشياء أخرى مماثلة كبرى، لا يلتفت إليها أحد، والمثال هنا يتمثل فى طوابع الدمغة ، فحينما تريد استخراج أيّة تراخيص أو أوراق حكومية تكون ملزمًا فى أغلب الأمور لإرفاق طوابع تختلف قيمتها بحسب الخدمة التى سيتم تقديمها إليك.
وبالنظر إلى طابع دمغة المواليد،مثلًا، ستجد أن قيمته تتمثل فى جنيه وعشرة قروش، وهى قيمة زهيدة،لكن ثمة مشكلة .. فكيف يمكن لطالب هذا الطابع الحصول عليه بقيمته ،وقد توقفت الحكومة عن سك العشرة قروش ولا تتيح تداولها منذ سنوات،ومن ثم يضطر المواطن لدفع جنيه و خمسة وعشرين قرشًا،أو ما زاد على ذلك لديه.
وبحسبة بسيطة ،ومع افتراض أن ما يتم دفعه (إجبارًا على المواطن) كزيادة على قيمة هذا الطابع، خمسة عشر قرشًا (15 قرش)، وبضرب هذه القيمة فى عدد المواليد فى السنة (2 مليون و720 ألف و495 مولود) يتضح أن موظفى البريد يُحصّلون،دون وجه حق، ما يقرب من نصف مليون جنيه سنويًا،ضمن ما يحصل من دمغة المواليد.
وحينما نعلم أن عدد موظفى البريد يصل إلى 50 الف موظف ،فإن نصيب كل موظف فى المتوسط من هذا “المال الحرام” يصل إلى 10 الاف جنيه سنويًا،وهذا فيما يتعلق بدمغة المواليد فقط !.
أعلم أن الحديث عن رقم مثل نصف مليون جنيه،سيثير سخرية البعض،لقناعتهم أن ما يتم نهبه نتيجة الفساد الإدارى يصل إلى عشرات المليارات،لكن لنعلم أن معظم النار يأتى من مستصغر الشرر .. ولابد أن تعالج الحكومة مثل هذه التشوهات التى تتسبب فى نهب أموال المواطنين .. وإلا فإنها ستكون شريكة فى سرقة أموال الشعب.
ولنعلم أننا لازلنا فى ترتيب متأخر بين الدول فى مكافحة الفساد ( نحتل المركز 94 بين دول العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية لعام 2014) ،وعلى ذلك فليس هناك بد من أن تتخذ الحكومة وبأسرع وتيرة الكثير من الإجراءات،وتغلّظ العقوبات، وأن تنتبه لما بين يديها من فساد،حتى نصل إلى بر الأمان.
CNA – مقال بقلم ،، أحمد زغلول ،كاتب صحفى متخصص بالشأن الاقتصادى