مقال .. لنعيش حياة أكثر واقعية
الله سبحانه وتعالى خلقنا وأوجد فينا حب التملك ورغبة الانفراد بجميع المزايا التي نستطيع الحصول عليها، بل ونبذل قصارى جهدنا لمضاعفة ممتلكاتنا المنقولة منها والثابت،ولا نجد غضاضة في التعدي على حقوق الآخرين، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، حتى ولو كانوا فلذات أكبادنا ومن لحمِنا ودمِنا.
ومن أجل ذلك، نتذرع بأي وسيلة ولوغير مشروعة ما دمنا نستطيع خلق شتى أنواع وألوان المبررات، وبلادنا، ولله الحمد والمِنَّة، تمتلك ثروة نفطية كبيرة، من المفترض أنها تدوم عقود وعلى مدي سنوات طويلة، لو توفقنا إلى حسن التصرف بها وإلى استغلالها الأمثل، ومن المعلوم أن أرضنا صحراء قاحلة خالية من جميع مصادر مقومات الحياة،وهو ما يستدعي وجوب تبني مبدأ تشجيع الأجيال الحاضرة لتقتصد من أجل الأجيال اللاحقة.
ولكن ليس ذلك ما هو مشاهَد وحاصل اليوم. فنحن في دول الخليج، شعوب معظمنا يعيش حياة فوق مستوى الرفاه العادي، دون أن يكون لنا فضل في وفرة الدخل المالي الذي وضعنا في مصاف الشعوب المتقدمة، التي تكتسب وتعيش من عرق جبين أبنائها ومجهودهم.
فهل، يا تُرى، يحق للبعض منا، وما أكثرهم، أن يمتلك أحدنا عددًا من المركبات الفارهة وأثاث منزلي فخم وتفنن في أنواع الطعام والملبس والمشرب وهو يعلم، أو يجب عليه أن يعلم، أن أولاد أحفاده ربما لا يملكون لقمة العيش؟ أي حياة هذه التي هدفها غير المُعلَن هو حرمان قطعة من لحمك ودَمك من العيش الكريم، نتيجة لإسرافك وعدم مبالاتك وقبولك لحياة كلها نوم وكسل وعدم اكتراث؟ .
وجُلَّ ما نفعل هو أن ندس رؤوسنا في الرمال ونتظاهر بأننا قوم لا ندرك ما الله مخبئ لنا، وهو عذر غير مقبول. والبعض منا يسكنون في بيوت رفيعة السقوف وواسعة الغرف، منها ما هو تحت الاستخدام وقسم آخر للضيوف، بينها باحات وساحات وتحيط بالدار الأسوار والأنوار. أنوارها تتلألأ ليل نهار وهدير مكيفاتها يصم الآذان.
وننسى أن أجدادنا كانت تأويهم الخيام وغِذاءهم القليل من التمر. فهل هو حب الانتقام من حرمان الوضع الماضي؟ ونحن لا نتحدث عن كافة أفراد الشعب، بل عن فئة تمثل نسبة كبيرة من المواطنين. والسؤال الذي يشغل البال، هو ما هو مصير الأجيال عندما لا يجدون بعدنا أثرًا للمال، بعد فناء الثروة النفطية التي قضت عليها شعوب الكسل والخمول وحب الذات؟ وهل عدمنا الخيال وتصور الحال بعد نضوب النفط، الذي يظن البعض أنه من المحال؟ ونحن أمة استعصى علينا قهر الطمع وبذل المجهود الذي يغنينا عن الاعتماد على مصدر هو تاركنا قبل أن نتركه؟
وفي بداية كل صيف، يحين وقت شد الرحال فتهب الجموع المقتدرة إلى يمين وشِمال متجهة إلى سائر الأمصار والأقطار من أجل قضاء العطلة السنوية بعيدًا عن وهج الصيف وحرارة الصحراء.
وكان بودنا لو كان ذلك من عوامل تجديد النشاط للعمل المنتِج الجاد والعودة بروح الرغبة في التفوق والإنجاز. ولكنه ليس إلا جزء من الحياة الروتينية التي نعيشها والخالية من كل عمل مثمر جاد. فالكل يعود إلى نمط حياته المتمثلة في مختلف صور الاستهلاك وقلة الانتاجية والاعتماد على العمالة الأجنبية.
ومما يزيد الأمر غرابة أن فئة من المتصيفين في بلاد الغربة يُظهرون من أنواع التباهي بالنعمة وحب المظاهر ما يجعلهم مادة استهزاء وتعجب من تصرفاتهم من قِبَل أهل تلك البلاد. مع أنه معروف انتمائهم إلى الحياة الصحراوية التي قدموا منها. نشاهد أحيانًا فئة من شبابنا يجوبون شوارع المدن الأوربية بسياراتهم الفخمة المكشوفة، ونساءهم تلمع في معاضدها أنواع الذهب والمجوهرات، وهو ما قد يعرضهن لاعتداءات الطامعين في الاستيلاء عليها كما يحدث للبعض في كل صيف.
وهي تصرفات ليس لها أي مبرر ولا تدل على شكر النعمة. فالغرض الأساس من الرحلة، إذا كان لا بُدَّا من التمتع بها، هو قضاء وقت قصير بعيدًا عن أجواء الصحراء الملهبة، وليس من أجل عرض وسائل الزينة والمركبات باهظة الثمن بواسطة جيل النفط. ثم العودة من السياحة مرة تِلو المَرة، إلى حيث الخدم والحشم الذين استقدمناهم لخدمتنا والقضاء على نشاطنا وطموحنا.
نحن اليوم، قبل غدٍ، بحاجة إلى خلق نوع من الوعي الاجتماعي وإيقاظ الضمائر النائمة التي لا تدرك أنها تسير نحن مستقبل مجهول. ولا تريد أن تعلم أن دخلها الحالي الكبير مآله إلى الزوال، لأنه من مصدر قابل للنفاد.
ولا أمل، حسبما يظهر لنا، في إيجاد دخل قومي ولو متواضع وغير مرتبط بالثروة النفطية الزائلة. نحن نعلم أن هناك مجهود كبير ورغبة لدى المسؤولين لإيجاد مصادر دخل جديدة، وهناك مخلصون يعملون من أجل تحقيق هذا الهدف السامي. ولكن من الواضح وجود عقبات كأداء، تلفها البيروقراطية التي تضرب أطنابها في مجتمعنا، تقف حاجزًا دون الوصول إلى ما نصبوا إليه من أجل المستقبل وحياة أفضل. و
علينا إذًا أن نبحث عن معوقات تنويع الدخل ونحاول تذليلها قبل أن يصبح الأمر أكثر صعوبة أو ربما مستحيلاً، عندما ينخفض الدخل ويتقلص الإنتاج نتيجة لنضوب الثروة النفطية.
CNA– مقال بقلم ،عثمان الخويطر ،نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً