نزيف الجنيه الذى أنهك الاقتصاد
لا يمكن وصف تراجع الجنيه أمام الدولار بشكل كبير فى الأيام القليلة الماضية إلا بأنه تخفيض تدريجى جديد لقيمة الجنية المصرى فى اطار سياسة التعويم المدار المتبعة منذ 29-1-2003 التاريخ الشهير و المؤلم فى العلاقة بين الجنيه و الدولار.
ولن يؤدى هذا الخفض إلى القضاء على السوق السوداء ولا إلى تدفق الاستثمارات الاجنبية ولا إلى انطلاق الصادرات ،بل سيؤدى لمزيد من ارتفاع الاسعار لأن سعر الصرف في السوق السوداء يتحدد طرديا اعتمادا على السعر فى السوق الرسمية وهذا يفسر اشتعال الاسعار بعد قرار رفع سعر الدولار ولا سيما فى اقتصاد استيرادى مفرط كالاقتصاد المصرى .
و مشكلة سوق الصرف المزمنة فى مصر تكمن فى شقين الأول عدم كفاية الموارد من النقد الاجنبى و الثانى ادارة سوق النقد الاجنبى و الشق الثانى و الاخطر أدى الى وجود سوقين للعملات الاجنبية الاولى يديرها الجهاز المصرفى و الثانية يديرها المضاربون و المصدرين شركات الصرافة التى تخالف القانون جهارا نهارا و تستطيع بسهولة الافلات من الرقابة لدرجة ان بعض البنوك كانت تمنحها حصة من الدولار بالسعر الرسمى لتبيعها بعد عدة دقائق على باب البنك المانح نفسه بسعر السوق السوداء !!
وفشلت الاجراءات البوليسية فى القضاء على السوق السوداء لان هذه الاجراءات تفشل دائما فى معالجة القضايا الاقتصادية لذلك اتجهت الدولة للحلول الاقتصادية فمنحت الحرية الكاملة لحيازة النقد الاجنبى طبقا للقانون 88 لسنة 2003 و تعديلاته ولكن هذا القانون منح شرعية لشركات الصرافة لا داعى لها للاتجار فى النقد الاجنبى فى ظل وجود جهاز مصرفى كبير و قوى يغطى كافة ربوع مصر.
كما منح هذا القانون المصدرين الحق فى الحصول على حصيلة صادراتهم بالنقد الاجنبى و الذين يحتفظ بعضهم بها فى حسابات خارج البلاد حيث تتسرب عن طريق بنوك الاوف شورoff- shore , و الغالبية تبيعها فى السوق السوداء و برغم ذلك يحصلون من الدولة على دعم تصديرلانهم يبيعون الحصيلة فى السوق السوداء!!
و برغم تقلص موارد النقد الاجنبى بعد ثورة 25 يناير 2011 و فقد الجنية المصرى لحوالى 40% من قيمته الا انه لم تحدث اى محاولة جادة لتقييد الاستيراد و ترشيد استخدامات النقد الاجنبى ووقف نزيف الاستيراد العشوائى و استمرت سياسة التعويم المدار للجنية ليفقد فى كل جولة منها قدرا من قيمته و يعكس ذلك معدلات تضخم مرتفعة تؤدى الى تراجع مستوى معيشة غالبية المصريين
وأرى ان قضية سوق الصرف مسالة ادارة وتنظيم بدرجة اكبر من كونها ندرة موارد , لذ يلزم تبنى تنظيم جديد لها بحيث يكون التعامل في النقد الاجنبى من خلال الجهاز المصرفى فقط وتكون استخدامات النقد الاجنبى و تحويله للخارج محددة و مقيدة مع تبنى سياسة جادة لترشيد الاستيراد وكفى اهدار لمواردنا من النقد الاجنبى بدعوى الحرية الاقتصادية التى لم نملك رفاهيتها بعد .
CNA – مقال أ.أحمد الألفى،خبير ومحلل مصرفى