مقال| مرحلة ما بعد المشروعات القومية !!
الغاية من المشروعات القومية والتى فى الغالب تتركز فى مشروعات البنية التحتية والصناعات الاستراتيجية هى تحريك قطاعات البنية الاساسية كالتشييد والبناء والعقارات والاسمنت والحديد وهى فى الأغلب متكررة على مدى عصور كل دول.
وهى تهدف فى الماضى أن تدفع بالاقتصاد الراكد إلى الأمام من خلال تشغييل قطاعات ذات عمالة كثيفة وتحرك صناعات كثيرة بشكل غير مباشر وفى الاغلب حتى الأن تتركز فى كل العالم فى البنية الاساسية.
ونحن فى مصر عندما دخلنا إلى هذه المشاريع كان فى الأغلب لعمل تغيير فى الحالة الاقتصادية من شبه التوقف الى الدوران، ففى مشروع قناة السويس تم اجتذاب اموالا للتمويل من خارج القطاع المصرفى، وتم ترك أموال البنوك كما هى لاقراض مشروعات اخرى خاصة وعامة.
وهنا حدثت بداية التدوير للاقتصاد كفكرة عامة وما تلاها من مشروعات معظمها تركز فى الطرق والاسكان والعاصمة الادارية والموانىء البحرية وصناعة الاسمنت وصناعات اخرى هى تحت بند المشروعات الكبرى .
ويتحدث الجميع عن سيطرة الجيش اوشركاته على هذه المشروعات والاشراف عليها والاستحواذ على مفاصل الاقتصاد كما يروج البعض ولكن دعونا نعود الى الوراء قليلا ونستعرض ما فى الاقتصاد من احتكارات وعمليات مضاربة وقصص خصخصة فاشلة وعمليات تحكيم دولى على شركات مصرية.
ولذلك عندما نتحدث عن انشاء كيانات جديدة من داخل الجيش للاشراف والتمويل لمشروعات داخل قطاعات اقتصادية لأسباب تتعلق بالسرعة والانجاز والانفصال عن الجهاز البيروقراطى الحكومى المعروف ولان المشروعات الكبرى اوالبنية التحتية فى الاساس لا تلقى قبولا لدى القطاع الخاص بسبب تكلفتها المرتفعة وعوائدها الضعيفة.
ولذلك لم يكن القطاع الخاص ليتحمس لحركة الدوران فى الاقتصاد الا بوجود ما يسمى (الراعى) ولم يكن الجهاز الحكومى ببيروقراطيته المعهودة والاضرابات والمظاهرات التى عمت مصانعه وشركاته قادر على عمل ذلك فكان لزاما وجود راعى يقود هذا الدوران ومن هنا كان تدخل الشركات التى تملكها القوات المسلحة لقيادة الدوران المطلوب .
وهنا قد يرى البعض أيضًا أن ذلك ليس من قواعد المنافسة الاقتصادية السليمة وما إلى ذلك ولكن دعنا نرى الصورة بشكل أوضح ما الفارق بين أن تقوم شركة أجنبية بانتاج دواء فى مصر وتحقيق ارباح فى حين ان لديك مصنع محلى ينتج نفس السلعة ويمكنه تحقيق ارباح ؟.
الفارق الأساسى هو أنه على مدى سنوات تكونت احتكارات صناعية وتجارية عديدة وتحكمت فى مفاصل الاقتصاد وتستطيع افتعال ازمات اقتصادية فكان لابد من وجود كيان اقتصادى جديد يزيد من الانتاج ويكسر احتكارات عديدة فى مجالات تستحوذ فيها الشركات الاجنبية على حصة تقترب من 80 % من السوق كالدواء والاسمنت وكما قلنا لم يكن جاهزا إلا المؤسسة العسكرية.
ولذلك نرى حملة شعواء يقودها رجال الاعمال واصحاب الاحتكارات ومافيا الاراضى وهو ملف أخر يحتاج لمتابعته وكيف اجبرت الدولة المنتفعين بهذه الاراضى بضرورة تقنين اوضاعهم ودفع حق الدولة.
وبعيدًا عن الاقتناع أو عدم الاقتناع بما قلته وان كان عندى الكثير لاقوله فى هذا السياق إلا أن هناك مشكلة ستواجه خطة الاصلاح التى تنتهجها الدولة فمع صدور قوانين الاستثمار وقوانين منع الاحتكارات التى اصدرها البرلمان وفتح المجال امام الشركات الاجنبية للاستثمار فى مصر فانه سيكون لزاما على الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية ان تتنازل عن حصص بها سواء من خلال اكتتابات عامة اوادخال شركاء جدد سواء شركات اومؤسسات اوصناديق استثمار والا ستكون فى وضع احتكارى طبقا للقوانين الجديدة.
ولذلك ستحتاج مرحلة ما بعد المشروعات القومية الى مخطط اكثر مرونة فى التعامل مع معطيات السوق بحيث يحقق التوازن بين جذب الاستثمار وبين تحقيق الاستقرار الاقتصادى للدولة .
وتبقى هناك مهمة امام الطبقة المتوسطة أكبر المضارين من التعويم وهى أن تبدأ فى تجهيز مدخراتها الصغيرة للدخول الى الاكتتابات العامة والخاصة القادمة حتى لا تفوت عوائد التنمية القادمة والتى كانت سببا فى قرار التعويم .
وعلى غرار ماتفعله الدولة فى برنامج صحى قومي مثل 100 مليون صحة فعليها أيضا أن تبدأ فى الترويج ونشر الوعى بهذه الفكرة لتجهيز المجتمع للمشاركة فى هذه الاكتتابات وتوسيع قاعدة المشاركة والا ستكون الدولة مضطرة للبحث عن شركاء مصريين وعرب واجانب للدخول من اجل توفيق اوضاعها داخل الاقتصاد طبقا للقوانين .
والسؤال هنا متى ستبدا مرحلة ما بعد المشروعات القومية ؟؟..
CNA– مقال بقلم،، محمود يوسف، إعلامي ومدير إدارة النشرات الاقتصادية بالتليفزيون المصرى