مقال| مرحاض لزيادة إنتاجية الموظفين !
تأخذنا مسارات الإصلاح الاقتصادي في اتجاهات متعددة، وكلها لابد من العبور خلالها إجباريًا لمُعالجة ما يعتريها من حُفر ومطبّات.. وأحد أهم مسارات ذلك الإصلاح، هو إعادة تأهيل “الموظف” .. ذلك المُكوّن الذي يُمثّل الترس الرئيسي في منظومة الإنتاج والتنمية.
ولدينا، للأسف، جهاز إداري تئن جنباته من المشكلات التي هي إرث وتركة ثقيلة تراكمت على مدار سنوات طويلة، كنتيجة لغياب المحفزات والتأهيل والرقابة، وكذا ضعف نظام العمل بقوانيه ولوائحة.. وكان نتاج ذلك أن بات الموظف هو نقطة الضعف وبمثابة الأغلال التي تقبض على ساقيّ وذراعيّ التنمية، بدلًا من أن يكون مصدرًا للقوة والإنطلاق.
وتكشف تقارير رسمية ودراسات متخصصة في التنمية البشرية عن مؤشرات مُخزية فيما يتعلق بعدد ساعات العمل الفعلية لموظفي الحكومة في بلدنا.. فيقدرها جهاز التنظيم والإدارة بنحو 27 دقيقة يوميًا فقط من إجمالي 8 ساعات حددها القانون، وهو تقريبًا ذات الرقم الذي قدّره إتحاد تنمية الموارد البشرية.
بل إن دراسة خاصة أضافت أنه رغم ضعف الإنتاجية إلا أن 95% من موظفي الحكومة يحصلون على تقدير “ممتاز” في تقاريرهم الوظيفية ! .
أتدركون ما تعنيه هذه الأرقام؟ .. إنها تشير إلى خسائر بمئات المليارات من الجنيهات تضيع سنويًا على الدولة والاقتصاد في أجور وبنية تحتية وخدمات، وكذا مصالح المواطنين والمستثمرين التي يتم تعطيلها..
فعدم إهدار الوقت هو الأساس في الاقتصادات المتقدمة، وتعالوا نلقي نظرة على أحدث ما تفتق عنه عقل البريطانيين للاستفادة من كل دقيقة عمل بالنسبة للموظفين.. فقد أعلنت شركة انجليزية قبل أيام عن مرحاض خاص تتيحه للشركات والمؤسسات، أهميته في أنه يقلص الوقت الذي يقضيه الموظف في دورة المياه، وذلك بعد أن كشفت أبحاث عن أن الوقت الذي يقضيه الموظفين بالمملكة المتحدة في دورات المياه يزيد عن المقبول 25%.
وطبقًا للدراسات التي أفضت إلى تصميم ذلك المرحاض، فإن الموظف في بريطانيا يقضي نحو 10 دقائق في المتوسط في جلوسه للتغوط، وهو وقت يمكن تقليصه من خلال المرحاض الجديد – الذي تم تصميمه بشكل لا يجلعه مريحًا- إلى نحو 7 دقائق، وذلك ما يوفر 4.7 مليار يورو كانت مُهدرة بسبب الوقت الزائد في دورات المياه.
أتصدّقون ذلك !! .. دراسات وحلول للاستفادة من كل دقيقة عمل، ولدينا للأسف، ساعات وأيام وسنين ضائعة ..
لكن المهم هنا أيضًا أن نشير إلى أن الدولة قد سلكت أخيرًا اتجاه الإصلاح الإداري .. وثمة جهود كبيرة لتأهيل الموظفين قادتها وزارة التخطيط ، كان بينها إتفاقات مع مؤسسات دولية لتدريب وتأهيل القيادات والموظفين وإطلاق جائزة التميز الحكومي، وإصدار قانون الخدمة المدنية.. وما يتم الآن من انتقاء ورفع كفاءة الموظفين الحكوميين الذين سيتم نقلهم إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وعددهم 55 ألف موظفًا، هو بمثابة النواة لخلق جهاز إداري جديد.
هناك حراك حقيقي بدأ ونأمل في أن يُكلل بالنجاح.. فدولتنا تستحق ما هو أفضل وما يتم انجازه في كافة المجالات سيكون مضاعفًا بالأيدي العاملة المؤهلة والمدربة.
CNA– مقال بقلم،، أحمد زغلول، كاتب صحفي متخصص في الشأن الاقتصادي