مقال| قانون الافلاس الجديد .. خطوة على الطريق
هل يرى مشروع قانون “تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقى والإفلاس” النور قريباً بعد طول انتظار منذ أن وافق عليه مبدئياً مجلس الوزراء في مطلع يناير الجاري؟. هل يسابق البرلمان الزمن للإنتهاء من اقرار القانون قبل بدء عطلته الصيفية المقررة في 30 يونيو المقبل؟ أتمنى ذلك لأن هذا القانون هو بالفعل مكمل لقانون الاستثمار الجديد ويعد خطوة ضرورية لتحسين بيئة الاستثمار في مصر وجعلها أكثر تنافسية .
وقبل أن أعرض وجهة نظري حول قانون الإفلاس، سوف أستهل بسرد قصة طريفة عن تاريخ الإفلاس في اليونان القديمة.
يحكى أن الإفلاس لم يكن معروفاً في بلاد الاغريق . فعند تعثر رجل عن سداد دين، يُزج به هو وزوجته وأبنائه في عقد عبودية مدته خمس سنوات لخدمة الدائن حتى يسدد كل ما عليه من ديون نظير الأجر الذي يحصل عليه من سيده. ومن هنا نشأت فكرة حبس المدين المفلس في العصر الحديث.
الإفلاس هو أن تعلن الشركة أو التاجر العجز على الوفاء بالالتزامات المالية أمام الدائنين، يتبعه التوقف عن السداد. ويُعرف الإفلاسِ في القانون التجاريّ بعدم قدرةِ التّاجر على دفعِ الديون، ثم يشهر إفلاسه، من أجل تصفية أصوله، وممتلكاته وتوزيع قيمتها على الدائنين توزيعاً عادلاً. ويتم تعيين ممثل عن الدائنين لإدارة تلك الأموال ويعرف بـ”مدير التفليسة”. ويترتب على إشهار الإفلاس سقوط بعض الحقوق المهنية والسياسية عن المفلس، ولا يمكنه استعادتها إلا باتباع الإجراءات التي نص عليها القانون لرد الاعتبار.
تتعدد أسباب الافلاس، فمنها يرجع إلى ظروف خارجة عن الارادة أو قدرية مثل الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية. وقد تتسبب الأحوال الاقتصادية أو القانونية أو الأحداث السياسية في التعثر ثم الافلاس. كما ترجع بعض الأسباب إلى سوء الادارة أو التقصير. وبلا شك أن سؤ النية يكون المحرك في بعض حالات الافلاس التي تنطوي على التدليس والغش.
ترجع مشكلة الإفلاس في مصر بصفة خاصة إلى طول وتعقيد الاجراءات مما يضر بحقوق الدائنين والمساهمين. وبحسب تقارير سابقة للبنك الدولي، فإن دول الشرق الأوسط تحتاج لنحو ثلاثة أعوام ونصف لتصفية شركة متعثرة بتكلفة تصل إلى 14% من قيمة الشركة، بينما تحتاج نظيراتها من البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى عام وسبعة أشهر فقط، بتكلفة تعادل 8.4% من قيمة الشركة. وفيما لا يستعيد الدائنون بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من 30% من أموالهم، فإن هذه النسبة ترتفع في بلدان “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” إلى 70%..
أما عن مشروع قانون “إعادة الهيكلة وتنظيم الإفلاس وإصلاح الواقي منه” ، فهو يضع نظام وساطة من أجل تقليل حالات اللجوء إلى المحاكم لرفع دعاوى قضائية، ويوفر اجراءات مبسطة للمرحلة التالية للإفلاس من خلال إنشاء إدارة الإفلاس بالمحاكم الاقتصادية التي تختص بمباشرة إجراءات الوساطة في طلبات إعادة الهيكلة.
يعتمد مشروع القانون الى حد كبير على الفصل الحادي عشر من قانون الافلاس الأمريكي الذي يعتبر نموذجاً ناجحاً استعانت به العديد من الدول في تنظيم الافلاس الطوعي. و يسمح هذا الفصل من القانون الأمريكي للشركات بإعادة هيكلة نفسها عند فشلها في تسديد المبالغ المستحقة على ديونها أو الديون ذاتها. تستطيع الشركة و الدائنون التقدم بطلب للحماية إلى محكمة إفلاس ، يُسمح في معظم الأحيان بإبقاء إدارة الشركة تحت سيطرة المدين حيث يكون وصياً على شركته إلا إذا تم تعيين وصي خارجي ، ولكن يظل تحت مراقبة المحكمة وسلطتها. ويستطيع المدين الحصول على تمويل وقروض بشروط ميسرة بشرط إعطاء الممولين الجدد أولوية في الحصول على أرباح الشركة. كما يتمتع المدين بالحماية من دعاوى قضائية ضد شركته.
لذلك كان من الضروري اصدار قانون الإفلاس من أجل معالجة أوضاع الشركات المتعثرة وحماية أموال الدائنين والمساهمين بما يحمي النشاط الاقتصادي والبيئة الاستثمارية بشكل عام. ويتكون مشروع قانون “تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقى والإفلاس”من 264 مادة و ينظم القانون إشهار الإفلاس وإعادة هيكلة نشاط المفلس، وتسرى على التاجر وفقا للتعريف الوارد فى قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999، والشركات بكافة أنواعها عدا شركات المحاصة وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام.
على الرغم من التأخير في إصدار قانون الإفلاس، إلا أن مشروع القانون تضمن عدة مميزات لعل أبرزها إلغاء عقوبة الحبس والاكتفاء بالغرامة مما يعد حافز لتدفق المزيد من الاستثمار وخطوة جيدة لجذب رؤوس أموال جديدة وعودة للاستثمارات الهاربة.
CNA– مقال بقلم ،، هاني أبو الفتوح، خبير اقتصادى