مقال .. رفع سعر الفائدة الفيدرالى .. و 10 تأثيرات على الأسواق العربية
بداية يعتبر معدل سعرالفائدة الفيدرالي بمثابة سعر فائدة للأموال الفيدرالية ، فهو سعر الفائدة الذى يستخدمه بنك الاحتياط الفيدرالي الامريكى عند تقديم قروض للبنوك التجارية من خلال عمليات إعادة التمويل ،لأن البنوك الامريكية ملزمة بإيداع جزء من احتياطيها النقدية في نظام الاحتياطي الفيدرالي، لذا يسمى بالأموال الفيدرالية .
ويتغير حجم الأموال الفيدرالية يومياً بحسب حجم الاحتياطيات المودعة فى النظام الفيدرالى، وتستطيع البنوك ذات الفوائض فى أرصدة الاحتياطيات اقراض البنوك ذات العجز فى أرصدة الاحتياطيات مباشرة بهذا السعر ،لذلك فهو سعر الفائدة السارى بين البنوك الامريكية على عمليات الاقراض ، لذلك يسمى سعر فائدة الأموال الفيدرالية، وهو سعر اقراض قصير الأجل ، و تقريباّ يماثل سعر الكوريدور فى مصر.
و برغم أن سعرالفائدة الفيدرالي يعد بمثابة سعر فائدة أساسى أو أولى يطبق على عمليات الاقراض القصيرة الأجل بين البنوك interbanks فقط و لا يسرى على عمليات الاقراض المتوسطة ولا الطويلة الاجل ولا يسرى على عمليات الاقراض بين البنوك الامريكية و عملائها ، الا أنه يؤثر على أسعار القروض الأخرى فى سوق الائتمان بشكل عام.
لذلك فهو السعر الأساسي الذى تتحدد على أساسه أسعار الفائدة على الائتمان المقدم للمؤسسات و للشركات والأفراد كبطاقات الائتمان وقروض السيارات وقروض تمويل المنشآت الصغيرة وقروض الرهن العقارى، لذلك تهتم به البنوك والمستثمرين لتأثيره البالغ على الاقتصاد، و يغيرون خططهم و قراراتهم الاستثمارية وفقاً لتغيراته حتى لو كانت تغبرات طفيفة.
ويعد قرار بنك الاحتياطى الفيدرالى الامريكى برفع أسعار الفائدة على الدولار الامريكى بواقع 0.25 نقطة مئوية بمثابة قراراّ تاريخياّ , بعد أن قامت السلطات النقدية الامريكية بتصفير أسعار الفائدة فى عام 2007 فى اعقاب تفجر أزمة القروض العقارية والتى تسببت فى اندلاع الازمة المالية العالمية فى العام التالى فى 2008.
و لقد اتخذ بنك الاحتياطى الفيدرالى الامريكى هذا القرار برفع أسعار الفائدة على الدولار الامريكى بواقع 0.25 نقطة مئوية اعتماداّ على الأسباب التالية:-
1 – انخفاض معدل التضخم فى الولايات المتحدة الى حوالى 2% مما استوجب اجراء تغيير جذرى فى السياسة النقدية الامريكية
2 – التعافى الذى ألم بالاقتصاد الامريكى و المكاسب الكبيرة التى حققها بسبب انهيار أسعار البترول مؤخراّ
3 – تراجع معدل البطالة فى الولايات المتحدة إلى 5% و قدرة الاقتصاد على خلق المزيد من الوظائف
4 – تعزيز وضع الدولار فى اطار حرب العملات العالمية التى تشعلها الصين و اليابان
5 – عرقلة الأصوات العالمية المناهضة للدولار كعملة عالمية أولى مقبولة عالميا كدول الميركسور
6- جذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية والعالمية الى اسواق الولايات المتحدة الامريكية
وبرغم وجاهة و منطقية هذه الاسباب التى دفعت بنك الاحتياطى الفيدرالى الامريكى لاتخاذ قرار الرفع الا أن السبب الرئيسى لا يعدو أن يكون سوى توجيه رسالة رمزية و نفسية للعالم – و لا سيما القوى الاقتصادية الصاعدة كالصين – مفادها أن المارد الاقتصادى الامريكى قد تعافى من جديد .
و يستند هذا الرأى الى ضآلة قيمة الرفع فى سعر فائدة الاحتياطى الفيدرالى بواقع 0.25 نقطة مئوية ، فهى غير كافية لاحداث هزات اقتصادية كبيرة فى الاقتصاد العالمى من جهة ، ومن جهة أخرى فان الدين العام الامريكى الكبير والذى يكاد يقارب و يلتهم الناتج القومى الامريكى أمر لا يمكن تجاهله فى هذه المعادلة , لأن هذا الدين العام الامريكى الكبير يحد من امكانيات تكرار رفع سعر فائدة بنك الاحتياطى الفيدرالى الامريكى مستقبلاّ .
و بشكل عام سيؤثر قرار بنك رفع سعر فائدة الاحتياطى الفيدرالى بواقع 0.25 نقطة مئوية على الاقتصاد العالمى برمته، نظراّ لكون الدولار الامريكى العملة الأكثر تداولا و استثماراّ على المستوى العالمى، كما ستكون له تداعياته على المنطقة العربية أيضا , و يتضمن هذا التأثير عدة جوانب سلبية ،بينما تكاد تنعدم الجوانب الايجابية و تحديدا على المنطقة العربية ،و نوجزها فيما يلى:-
1- رفع سعر الفائدة المحلي في البنوك المحلية والمركزية العربية ، بسبب ارتباطها بالبنوك الدولية، والبنك الدولي، وكذلك ارتباط هذه البنوك بالدولار الامريكى.
2- ارتفاع تكلفة القروض و الائتمان نتيجة لرفع أسعار الفائدة الاساسية أو الاولية
3- خروج استثمارات من الاسواق العربية إلى الاسواق الامريكية وراء زيادة جاذبية الدولار
4- ارتفاع معدلات البطالة و التضخم
5- ارتفاع أسعار صرف العملات العربية ذات غطاء الاصدار الدولارى الكامل كالعملات الخليجية
6- انخفاض أسعار صرف العملات العربية غير المغطاه كلياّ بغطاء اصدار دولارى كالجنيه المصرى
7- تراجع معدلات النمو لانخفاض الاستثمارات بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض المحلى و الدولى
8- ارتفاع تكلفة أعباء خدمة الدين العام المحلى و الخارجى لارتفاع أسعار الفائدة
9- عودة ظاهرة الدولرة و لا سيما فى مصر
10- انخفاض تدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر الى المنطقة العربية
و بطبيعة الحال سوف يؤثرهذا القرار بالسلب أيضا على الجهاز المصرفى العربى – باستثناء البنوك الخليجية ذات الفوائض الدولارية – و لا سيما على البنوك التى تعتمد على خطوط ائتمان من مراسليها بالخارج لتمويل عمليات التجارة الدولية لعملائها , حيث سترتفع تكلفة تمويل هذه العمليات بشكل عام , وترتبط التداعيات السلبية لهذ القرار على المنطقة العربية ارتباطاّ و ثيقاّ بمدى ارتباط عملاتها بالدولار الامريكى , فكلما كانت عملة الدولة مربوطة و مغطاه بغطاء اصدار دولارى كامل، كلما كانت أقل تاثراّ بسلبيات هذاّ القرار , و العكس صحيح تماما.
و يترتب على ذلك أن دول الخليج العربى ستكون أقل تأثراّ بسلبياته نظرا لأن عملتها مغطاه بالكامل بغطاء اصدار دولارى , بينما ستنال سلبيات هذا القرار سائر الدول العربية الاخرى بخلاف الدول الخليجية , و قد بدأت دول مجلس التعاون الخليجى بالفعل فى رفع أسعارالفائدة و الريبو تأثراّ بهذا القرار نظراّ لأن عملاتها مربوطة كلياّ و مغطاه بغطاء اصدار كامل بالدولار الامريكى.
وأن هذه التداعيات العشرة مجتمعة لهذا القرار سوف تؤدى الى تراجع فى كل من معدلات الاستثمار و ارتفاع معدلات البطالة و التضخم بالمنطقة العربية تأثرا بارتفاع تكلفة الائتمان على اعتبار اعتماد العالم العربى – بخلاف دول الخليج – على الاقتراض الداخلى و الخارجى بشكل أساسى و مفرط , ولكن لن تكون هذه الاّثار السلبية جامحة , بل ستكون محدودة جداّ لأن نسبة الارتفاع فى سعر فائدة الاحتياطى الفيدرالى الامريكى نسبة طفيفة ولا توازى الضجة الاعلامية العالمية التى صاحبت قرار الرفع .
أما على المستوى العالمى , فان التاثير سيكون كبيرا و أكبر منه على المنطقة العربية لعدة أسباب أهمها تواجد الاسواق العالمية الكبيرة من أسواق نقد ومال وتأمين ومهادن و ذهب وعملات وسلع اّجلة و حاضرة تتأثر معاملاتها التريليونية بأى تغير فى أسعار العملات و الفائدة حتى لو كان طفيفاّ و بمقدار 0.05 و ليس 0.25 نقطة مئوية,لأن هذه الاسواق تتميز بالتطور التكنولوجى الكبير و السريع فى ابرام المعاملات لحظياّ عبر الحدود مما يميزها بالدوران السريع والكثيف لرأس المال.
فضلاً عن كون هذه الاسواق تمثل فى حد ذاتها بدائل استثمارية متنوعة و متعددة أمام المستثمرين الدوليين, لذلك يكون تأثرها سريعاّ بأى تغيرات طفيفة فى أسعار العملات و الفائدة, و ذلك بعكس الوضع فى اسواقنا فى المنطثى العربية و المصنفة دولياّ ضمن الاسواق الناشئة.
لذلك فمن المتوقع تراجع أسعار الذهب المنافس القوى للدولار عالميا لسحب الاستثمارات من سوق الذهب و استثمارها فى الدولار القوى, ولا شك أنه هذا القرار سيزيد من قوة الدولار الامريكى أمام العملات العالمية الأخرى القابلة للتحويل كاليورو و الاسترلينى و الين اليابانى لأن سعر الفائدة المرتفع على العملة يزيد من جاذبيتها و قوتها مما يزيد الطلب على حيازتها و الاستثمار فيها و التعامل و التغطية و الدفع بها .
CNA– مقال بقلم ،، أحمد الألفى – الخبير المصرفى المصرى
[box type=”info” ]الكاتب .. مصرفى يعمل مديرًا بأحد البنوك المصرية .. له مؤلفات عديدة فى المجالات المصرفية والمالية [/box]