مقال .. التنظيم الدولى للتلاعب بأسعار الصرف
فرضت السلطات الرقابية النقدية فى كل من بريطانيا والولايات المتحدة وسويسرا غرامات مالية قياسية تقدر بنحو 5.6 مليار دولار على خمسة من أكبر البنوك العالمية على خلفية تورط هذه البنوك فى التلاعب في أسواق صرف العملات الاجنبية .
والبنوك العالمية المتورطة فى هذه القضية بنوك ومؤسسات مالية عالمية ذات أسماء رنانة على المستوي الدولى وتفوق ميزانية أى بنك منهم ميزانيات عدة دول متوسطة الحجم , وهذه البنوك المنحرفة هى بنك جى بي مورجان الامريكى و بنك باركليزالبريطانى وسيتى بنك الامريكى و بنك يو بى اس السويسرى وأخيرا بنك ار بى اس الاسكتلندى الأقل شهرة و نفيرا فى بنوك قائمة العار المصرفية العالمية.
وتعد الغرامات المالية المفروضة عليها بمثابة أكبر غرامة مالية توقع على البنوك المخالفة فى التاريخ المصرفى العالمى برمته, و برغم فداحة قيمة الغرامات المالية الا أنها لا تمثل عبئا كبيرا على هذه البنوك مقارنة بحجم أعمالها و قوتها الايرادية الكبيرة .
لذلك ستبقى مجرد غرامة رمزية كقيمة مخالفة المرور فى بلادنا , ولن تقفل باب التلاعب الى الابد و الذى لا يعد المرة الاولى و لن يعد الاخيرة فى تاريخ هذه البنوك الاسود , حيث سبق و أن تلاعبت البنوك البريطانية و منها بنك باركليز منذ عدة سنوات بسعر فائدة الليبورLIBOR وهو سعر الفائدة السائد بين البنوك فى سوق لندن المصرفى ,و أنتهى الامر بفرض غرامة مالية قياسية و رمزية على البنوك المتلاعبة.
ولا شك أن فرض الغرامات على البنوك المخالفة أمر تمارسه كافة السلطات الرقابية النقدية فى جميع دول العالم سواء بمقتضى القوانين المنظمة للعمل المصرفى أو بحكم الاعراف المصرفية الرقابية المستقرة , ولكن فرض هذه الغرامات لم و لن يعوض العملاء و المستثمرين حسنى النية و ضحايا هذه المخالفات و الانحرافات, لأن المكاسب التى تجنيها البنوك من جراء هذا التلاعب يكون على حساب تحقيق هؤلاء العملاء و المستثمرين حسنى النية للخسائر .
لذلك فان فرض هذه الغرامات على البنوك المنحرفة يجب أن يقترن بالزامها بدفع تعويض عادل لضحايا انحرافاتها من المتعاملين الاخرين حسنى النية , فضلا عن تجريم هذه الانحرافات المصرفية بعقويات جنائية وجوبية , بالاضافة الى تجميد نشاطها و حرمانها من التعامل فى النقد الاجنبى لمدد مختلفة قد تصل الى 3 سنوات.
ويعنى استمرار هذا التلاعب لمدة خمسة سنوات كاملة دون أن ترصده السلطات الرقابية النقدية فى هذه الدول الكبيرة و المتقدمة أن هذه السلطات فاسدة ومخترقة من قبل هذه البنوك – كالمحليات عندنا – و/أو انها كانت نائمة فى العسل الاسود طوال هذه السنوات الخمسة و/أو انها كبيرة العدد و قليلة الفاعلية – كالأجهزة الرقابية لدينا .
وقامت هذه البنوك بتقديم عدد محدود من مسئوليها ككبش فداء وقامت بفصلهم لتظهر للرأى العام أن المسألة لا تعدو أن تكون الا مجرد انحرافات فردية من عدد من كبار الموظفين لديها برغم أن القضية قضية انحرافات ممنهجه و لها بنيتها الاساسية التى تتمثل فى انشاء و ادارة هذه البنوك الخمسة لغرف تداول الكترونية داخل مقار هذه البنوك مجهزة بأحدث التقنيات المصرفية و أدوات الاتصال الفائقة السرعة ويتم من خلال هذه الغرف التلاعب بأسعار العملات الرئيسية القابلة للتحويل كالدولار و اليورو و الين و الاسترلينى .
وهذه الغرف كانت بمثابة غرف العمليات التى تدار منها عمليات التلاعب فى أسواق صرف العملات بالاشتراك مع عدد كبير من تجار العملات و برعاية و تنظيم و اشراف هذه البنوك القذرة.
والآلية التى كان يستخدمها المتلاعبون بالسوق تتلخص فى الاتفاق الجماعى و الجنائى بينهم على شراء كميات كبيرة من عملة معينة معا وفى توقيت واحد لدفع سعرها الى الارتفاع بشكل مصطنع , وهذا التوقيت كان لمدة نصف دقيقة قبل ونصف دقيقة بعد الساعة الرابعة بتوقيت جرينيتش ( لذلك تسمى هذه القضية فى الصحافة الاقتصادية العالمية بـتلاعب الساعة الرابعة على غرار عادة الانجليز الكلاسيكية فى احتساء شاى الساعة الخامسة five clock tea) وبعد هذا الشراء المكثف و فى التوقيت المحدد للعملة المتفق عليها تأخذ اسعارها فى الارتفاع كنتيجة لهذا الطلب الجماعى المصطنع عليها واعمالا لقانون الطلب و العرض.
وبعد ارتفاع السعر بعدة دقائق يقوموا ببيع كميات العملة التى قاموا بشرائها فى تمام الساعة الرابعة الا نصف دقيقة وفى تمام الساعة الرابعة و نصف دقيقة دفعة أو طلقة واحدة ( لذلك تسمى هذه الممارسة فى الصحافة الاقتصادية العالمية باسم بناء الذخيرة ).
ونتيجة لهذه الممارسات التى استمرت لمدة خمسة سنوات كاملة حقق هؤلاء المتلاعبون أرباحا فلكية لا تتناسب مع قيمة الغرامات المالية الموقعة على البنوك الخمسة المارقة الراعية لهذه الممارسات و لا مع قيمة الخسائر التى تكبدها المستثمرين الاخرين ضحايا هذه الممارسات ,لأن أسعار العملات الاجنبية تدخل كمكون رئيسى فى تقييم و تسعير الاوراق المالية و التجارية وسندات الدين المختلفة الصادرة بهذه العملات الاجنبية , ومن ثم فان هذه الاوراق و السندات قد تم تقييمها بقيم لا تعكس قيمها الحقيقية نتيجة لهذا التلاعب وخسر المستثمرون حسنى النية كثيرا من جراء هذا التلاعب , لذلك فان مقتضيات العدالة تستوجب تعويضهم على نفقة المتلاعبين.
و اذا كانت أصابع الاتهام تشير الى السلطات الرقابية النقدية فى هذه الدول , فأنها تشير أيضا الى تورط الادارات العليا لهذه البنوك والى أجهزة الرقابة الداخلية فيها التى سمحت باستخدام اموال المودعين فى هذا التلاعب المشين , ما لم تكن كل من الادارة العليا و أجهزة الرقابة الداخلية هذه متورطة أصلا فى هذا التنظيم الدولى للتلاعب فى اسواق الصرف العالمية !!
ولا يخفى على أحد الممارسات الفجة التى تمارسها فروع هذه البنوك العاملة فى مصر ( باركليز و سيتى بنك ) مع العملاء المصريين و لاسيما عملاء التجزئة المصرفية من مغالاه فى الفوائد و العمولات و المصروفات و بدون أى سند من القانون و لا من العرف المصرفى , ولا حسن المعاملة الذى لا يجب أن يستند الى أى قانون لأنه يستند بالفطرة الى الاخلاق .
والجدير بالذكر أن العديد من القيادات المصرفية المصرية التى سبق لها العمل فى بنوك قائمة العار المصرفية العالمية تتشدق دائما بهذه البنوك و تتعالى على الكفاءات المصرية المحلية التى لم تعمل فى هذه البنوك سيئة السمعة , والأن تستطيع القيادات المصرفية الوطنية المصرية أن تتشدق بانها لم تنل شرف عار العمل فى هذه البنوك التى لا ترتقى الى مرتبة دكاكين الصرافة المحلية لصاحبها و مديرها المعلم حوده يورو و شريكه شحته الأخضر !!
وليت من بيدهم الأمر فى بلادنا يدركون خطر تنامى التواجد المصرفى لهذه البنوك الفاسدة فى بلادنا بتبنى استراتيجية واعية لتحجيم نموها على حساب بنوكنا الوطنية , لانهم جاءوا لبلادنا ليس من أجل تمويل و تنمية اقتصادنا , بل لأغراض أخرى لا تحتاج لخبير مصرفى متمرس لكشفها , لأن رجل الشارع العادى يعلمها بفطرته لانها تبدو جليا للعامة من خلال ممارساتهم و فضائحهم العالمية المتكررة فى بلادهم , فما بالك عزيزى القارئ ماذا يمكن أن يفعلوا باقتصاد بلادنا !!
مقال بقلم – أحمد الألفى ، الخبير والمحلل المصرفى المصرى