مقال .. التضخم وحلقات تداول السلع
نعانى جميعاً من إرتفاع فى أسعار السلع والخدمات كمستهلكين نهائيين بينما يعانى المنتجبين والتجار من الركود وتراجع المبيعات، وتحاول الدولة التفاوض مع الغرف التجارية ودياً لتثبيت أسعار السلع ولاسيما السلع الأساسية المرتبطة بالحياة اليومية للمواطن العادى متوسط ومحدود ومعدوم الدخل من جهة، من جهة أخرى تقوم الدولة بإجراء تخفيضات على أسعار السلع الأساسية والجماهيرية التى تقوم بتوزيعها عبر منافذ التوزيع الممولكه للدولة وذلك فى محاولة يائسة لكبح جماح إرتفاع الأسعار ، و لكن دون جدوى.
وبرغم هذه المحاولات الجادة من الدولة إلا أن هذه المحاولات لم تسفر عن ضبط الأسعار فى الأسواق لأن الدولة لم تعد تملك أية آليات لضبط الأسعار فى إقتصاد السوق، عفواً السوء! ، فالأسعار ترتفع والناس تكتوى بلهيب الغلاء ، والإستغلال هو القاسم الأعظم المشترك لدى السادة التجار الذين يؤمنون بأن التجارة شطارة ! وإستغلال تجار التجزئة الصغار لأرصفة وحرم الشوارع وعرض بضائعهم بمساحة ربما تزيد عن مساحة المحل المرخص بعدة أضعاف! .. فلست أدرى عن أى ركود يتحدث السادة التجار الفجار؟؟
وبصفة عامة ترتفع الأسعار فى الأسواق نتيجة لعاملين رئيسيين هما ، جذب الطلب DEMAND PULL و فهو دفع التكاليف Costs push .
ويعنى جذب الطلب زيادة الطلب على السلع والخدمات من جانب المستهلكين فى ظل عدم مرونة الجهاز الإنتاجى فى الإقتصاد لإستيعاب هذه الزيادة بإنتاج المزيد من السلع والخدمات لإستيعاب وإمتصاص هذا الطلب الزائد، أما العامل الثانى وهو دفع التكاليف ،ويعنى ذلك إرتفاع تكاليف الإنتاج مما يؤثر على زيادة تكلفة إنتاج السلع فتأخذ الأسعار فى الإرتفاع.
ويتفرع من هذين العامليين عدة عوامل فرعية تؤدى إلى نفس النتيجة ، و يعد دفع التكاليف أكثر خطورة من جذب الطلب ، لأن السيطرة على هيكل التكاليف لا يمكن إحتواؤه ، بينما يمكن إحتواء زيادة الطلب بإستخدام أدوات السياسة النقدية المتعارف عليها ، للحد من عرض النقود فى الإقتصاد لإحداث قدر من التوازن بين التيارين السلعى و النقدى فى الاقتصاد ، ومن ثم السيطرة على معدلات إرتفاع الأسعار نسبياّ.
أما فى مصر فنستطيع إضافة عامل رئيسى ثالث لإرتفاع الأسعار يتميز به الإقتصاد المصرى دون غيره من دول العالم، وهذا العامل هو تعدد حلقات تداول السلع بدءاً من المنتج وصولاً إلى المستهلك النهائى، حيث تتعدد هذه الحلقات أو المراحل من تاجر جملة ونصف جملة وربع جملة وثمن جملة وسماسرة وقومسيونجيه حتى تصل السلعة إلى المستهلك النهائي محملة بهامش ربح كل حلقة من حلقات تداول السلع هذه ، وربما يكون منتج السلعة الذى تحمل أعباء ومخاطر الإنتاج صاحب أقل هامش ربح فيها والباقى تربحه مافيا التوزيع دون أى جهد أو مخاطر.
ويترتب على ذلك أن السلعة تصل للمستهلك النهائى محملة بأرباح توزيع طفيلية وكبيرة قد تجاوز 100% من قيمة تكلفة إنتاجها أو إستيرادها من الخارج.
وتكشف مبادرة إتحاد الغرف التجارية لتخفيض الأسعار بواقع 15% عن ذلك بوضوح فكم يكسبون أصلاً ليمنحوا تخفيضاّ بواقع 15%؟؟ أجزم أن هوامش أرباحهم كبيرة وغير طبيعية، فالمطلوب نسف حلقات تداول السلع المتعددة هذه لإختصار أرباح التوزيع الغير مبررة و التى تزيد من أسعار السلع فى مصر بسبب منظومة تداول السلع المتكررة و الطويلة من جهة ، ومن جهة أخرى فإن تداول السلع بين التجار يخضع لسياسة تمييز سعرى بحسب الكمية (خصم كمية) وبحسب طريقة الدفع ( نقدى أو أجل) فالدفع النقدى يجنى أسعار أقل من الدفع الآجل، وكل هذه الآليات على حساب المستهلك ضحية شبكات التوزيع المعقدة.
و لا يخفى على أحد محدودية و هامشية كل من جمعيات و جهاز حماية المستهلك فى القيام بدورها فى حماية المستهلك من الجشع و الإحتيال و النصب الذى يحاك له يوميأ من جهة ، ومن جهة أخرى يتعرض العديد من المواطنين للنصب عبر الأثير بواسطة الإعلانات التى يتم بثها عبر القنوات الفضائية دون أن تخضع للحد الادنى من الاّليات الرقابية اللازمة لحماية المواطنين من براثن النصابين .
ومن المؤسف أن تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام المختلفة صباح كل يوم بنشرة عبثية جداّ لأسعار الخضروات و الفواكه ، و هى أسعار تخيلية لا وجود لها فى الأسواق ، و يبدو أن السادة المسئولين عن إصدار هذه النشرة مغيبين عن الواقع ، لأن هذه الأسعار التى يعلنون عنها مجرد أسعار إسترشادية فقط و غير ملزمة لكل من البائع و المشترى !! أى مجرد أسعار تصلح للإيداع فى متحف الغرف التجارية كجزأ من تاريخ التجارة الحالك السواد فى مصر!!
وبرغم وجود بعض متاجر توزريع السلاسل الكبيرة و الحديثة كالتى تطلق على نفسها وفر العملة وإشترى بالجملة ، وليه تدفع أكثر لما ممكن تدلع أقل ، فإنها تستغل المستهلك وتدفعه إلى الشراء بكميات أكبر من إحتياجاته ليتمتع بخصم هزيل جداً مقابل شراء ضعف أو أضعاف إحتياجاته الفعلية ، و تلعب بطاقات الائتمان دورا كبيرأ جدا فى دفع المواطنين إلى الإفراط فى الإستهلاك ، إنه مارثون الشمول المالى الإستهلاكى.
ولعل الجانب الكارثى فى إقتصادنا الوطنى يكمن فى أنه إقتصاد إستيرادى يفتح الإستيراد على مصراعيه لإٍستيراد كل شئ ومن أى مكان فى العالم بإسم الحرية الإقتصادية – عفواّ الفوضى الإقتصادية -التى قادتنا إلى التبعية الإقتصادية والسياسية والتسول الدولى!!
وأخيرا غرق الجنية المصرى غرقا مروعاّ فى 3-11-2016 تحت مسمى التعويم ليفقد 120% من قيمته ليجعل سعار الأسعار القاسم الأعظم المشترك فى كافة الأسواق بلا إستثناء، و فشل كل جهابزة المدرسة الليبرالية الحديثة فى التعامل مع الملف الإقتصادى ، اللهم إلا بتقديم النصح للمواطنين بالصبر على بلاء إرتفاع الأسعار ، وكأنه بلاء قد نزل علينا من السماء و لم نقترفه بأيدينا !!
حكمة مازحة
لماذ تتعدد حلقات تداول السلع؟
لدعم إتحاد الغرف التجارية!!
CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفى، خبير مصرفى و كاتب له عدة مؤلفات فى البنوك و الاقتصاد