مقال| البنك المركزي العربي !
برزت على الساحة المصرفية والاقتصادية العربية مؤخراً دعوة حالمة جداً مؤداها تأسيس بنك مركزى عربى لتحقيق إستقرار يحد من التقلبات الكبيرة فى أسعار صرف العملات العربية أمام العملات الأجنبية القابلة للتحويل ويسهم فى إدارة موحدة وجيدة للسيولة وللسياسة النقدية الموحدة على المستوى العربى.
ولاشك أن الوحدة العربية أو التكامل العربى هى حلم وأمل كل عربى مستنير منذ عصر الرئيس والزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذى كافح من أجل القومية العربية ووحدة العرب ، لكن القوى العالمية لم تسمح له بذلك برغم وطنيته وعروبته الخالصة وربما المفرطة أيضاً.
لذلك يأتى حلم البنك المركزى العربى فى إطار إحياء الوحدة العربية أو القومية العربية لكن على المستوى المصرفى والإقتصادى، ولكن هذا الحلم سوف يصطدم أولاً بالواقع السياسى المرير لأن السياسة لا تنفصل عن الإقتصاد ، وإن إنشاء هذا البنك المركزى العربى يجب أن يكون مدعماً بغطاء سياسى وبإرادة سياسية عربية قوية لا تلين ، أعتقد أنها غير قائمة حالياً، ونأمل أن تولد فى الغد العربى القريب ولاسيما ونحن فى أواخر فصل الربيع العربى الذى يريد الكثيرون تحويله إلى خريف عربى طويل ، لكن الشعوب العربية سوف تكون أقوى من هؤلاء بإذن الله تعالى وبمشيئته .
هذا عن الشق السياسى فى الموضوع ، أما فيما يتعلق بالجوانب الإقتصادية ، فإن إقتصادات الدول العربية تختلف فيما بينها إختلافاً كبيراً وجذرياً، فنجد دول الوفرة أو التخمة المالية وهى دول الخليج العربى والتى يقوم إقتصادها على النفط ، وهناك العراق والجزائر وهما من الدول البترولية لكنها تختلف عن دول الخليج فى أن لديها كثافة سكانية أكبر وهيكل إقتصادى يعتمد على النفط أيضاّ ولكن ليس بنفس حدة إعتماد دول الخليج عليه ، كما تتشابه ليبيا مع دول الخليج إلى حد كبير.
أما سوريا ومصر فلديها هياكل إقتصادية أكثر توازناً من الدول السابقة، ويمكننا القول أنها ليست دول بترولية بحتة ، ويضاف إلى هذه الدول تونس والمغرب واليمن، وهى الدول العربية الأعلى فى معدلات الفقر، وتبقى لبنان والأردن وهى الدول الأصغر والأكثر إعتماداً على المعونات وعلى تحويلات مواطينها بالخارج، ويبقى السودان وله وضعية مختلفة ولاسيما بعد تقسيمه إلى دولتين.
لذلك فإن الحديث عن تحقيق المزايا المرجوة من إنشاء البنك المركزى العربى سوف يصطدم فى الواقع الإقتصادى المجرد بعيداً عن السياسة بعدة معوقات إقتصادية أهمها:-
- إختلاف الهياكل الإقتصادية للدول العربية.
- إختلاف حدة عجز الموازنة للدول العربية.
- إختلاف حجم الدين العام الداخلى والخارجى للدول العربية.
- إختلاف عجز الميزان التجارى وميزان المدفوعات للدول العربية.
- إختلاف معدل التضخم بين الدول العربية.
- إختلاف معدلات التخمة المالية والفقر المالى بين الدول العربية.
- إختلاف معدل البطالة بين الدول العربية.
- إختلاف معدل النمو الإقتصادي بين الدول العربية.
لذلك فإن هذه الإختلافات قد تجهض مجرد فكرة تبنى سياسة نقدية موحدة يتبناها البنك المركزى العربى المزمع تأسيسه من جهة، ومن جهة أخرى فقد تتعارض السياسة النقدية الموحدة نظرياً وعملياً مع السياسات المالية المختلفة ولاسيما بين دول التخمة المالية ودول العجز فى الموازنة فى الوطن العربى.
والجدير بالذكر أن دول مجلس التعاون الخليجى ذات التجانس المالى والإقتصادى والسكانى قد فشلت حتى الآن فى إصدار العملة الخليجية الموحدة وهى الدينار الخليجى , ربما بسبب عدم الإنسجام السياسى بالرغم من توفر العوامل الإقتصادية والمالية الملائمة والمهيئة لنجاح إصدار العملة الخليجية الموحدة، إنها السياسة مرة أخرى!!
لذلك فإن الحديث عن البنك المركزى العربى يعد حديثاً مبكراً جداً لإصطدامه بالواقع السياسى والإقتصادى والمالى العربى، ولكن الحديث الجدير بالمناقشة الاّن هو تكثيف التجارة البينية وتعريب الوظائف بدلاً من العمالة الأجنبية غير العربية التى تلتهم جانباّ كبيراّ من الدخل القومى العربى، والأهم أن تودع دول التخمة المالية جانباّمن فوائضها المالية بالبنوك المركزية للدول العربية ذات العجز المالى مثل مصر والسودان وتونس والمغرب والأردن واليمن ولبنان، والأهم تدفق الإستثمارات المالية العربية البينية ، حيث يكون ذلك مجرد مقدمة عملية ترسى الأساس الإقتصادى السليم لإنشاء بنك مركزى عربى ربما بعد عدة عقود قادمة.
حكمة مازحة
متى نؤسس البنك المركزى العربى؟؟
بعد إحياء جامعة الدول العربية!!
CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفي، كاتب وخبير مصرفي