مصر وقمة “بريكس” كازان 2024: تعزيز التوازن في العلاقات الدولية والتبادل التجاري
رغم كل الدعاية السلبية التي تقوم بها منظومة دول الغرب، وعلى رأسها أميركا، للتقليل من أهمية تكتل “بريكس”، إلا أنه لم يعد بالإمكان إنكار تزايد تأثيره على العلاقات الدولية.
حيث بدأ تكتل “بريكس” يتحول تدريجياً في السنوات الأخيرة الى فاعل جيوسياسي واقتصادي يستقطب اهتمام الدول والاقتصادات، ولا سيما دول الجنوب العالمي المغبونة، بما يشكل تهديداً جدياً للهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، إذ يرفع “بريكس” شعار الانتقال الى نظام عالمي أكثر عدالة ومساواة على قاعدة المشاركة.
تكتسب القمة السنوية لتكتل “بريكس” 2024 التي تستضيفها مدينة كانازن الروسية بين 22 – 24 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أهمية متزايدة، انطلاقاً من الأولويات التي تركز عليها موسكو خلال فترة رئاستها للتكتل والتي ستسهم في إحداث نقلة نوعية على صعيد الاقتصاد العالمي.
مصر التي انضمت مطلع العام الحالي الى “بريكس” تنظر الى الخطوة على أنها فرصة لتعزيز التوازن في علاقاتها الخارجية، ومبادئ المشاركة والتعاون مع مختلف الأطراف في العالم، والتي تشكل النهج الذي ترتكز عليه الدبلوماسية المصرية العريقة. بالإضافة الى توسيع آفاق التبادل التجاري واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، في ظل التسهيلات التي تمنحها الحكومة المصرية ضمن سياساتها الرامية الى تحويل مصر الى أرض جاذبة للاستثمارات.
علاوة على أن استخدام العملات الوطنية في التسويات التجارية، واستخدام أدوات مالية جديدة في المعاملات التجارية، يساعد القاهرة في التحفيف من الضغط الشديد على العملة المحلية.
بناء عالم أفضل.. بالتعددية والمشاركة
تأسيساً على العوامل الآنفة الذكر، يشارك في قمة كازان ممثلو 32 دولة، بينهم 24 رئيس أو رئيس وزراء، رغم أن واشنطن مارست ضغوطاً هائلة على الدول التي وجهت اليها دعوة، من أجل الاعتذار عن الحضور، أو تخفيض مستوى المشاركة، بهدف إفشال القمة وترويج صورة سلبية عن روسيا ومن ورائها تكتل “بريكس”.
كذلك وجهت موسكو دعوات الى زعماء بلدان رابطة الدول المستقلة، ومسؤولي التكتلات والمنظمات الإقليمية، في طليعتهم أمين عام الأمم المتحدة، وأمين عام منظمة “شنغهاي”، وأمين عام الاتحاد الأوراسي الاقتصادي، والدول التي ترأس اتحادات إقليمية في شرق آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا.
اختارت روسيا عنوان “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين” ليكون شعاراً لقمة “بريكس” 2024، وفي الوقت نفسه موضوع النقاش الرئيسي في اجتماع الدول الأعضاء العشر ضمن فعاليات القمة. على أن يتبعه جلسة عمل تضم ضيوف القمة وممثلين عن دول أعربت عن رغبتها بالانضمام الى التكتل تحت عنوان “بريكس والجنوب العالمي.. بناء عالم أفضل بشكل مشترك”. هذا وتشير تقديرات روسية الى أن عدد الدول التي ترغب بالانضمام الى تكتل “بريكس” يبلغ 34 دولة.
أهمية العناوين التي تطرحها موسكو للنقاش تكمن في الأفكار التي تدافع عنها وتشكل المحور الأساسي في سياساتها الخارجية، مثل تعزيز التعددية كشرط أساسي لرفع مستويات التنمية الاقتصادية، والارتباط المباشر ما بين مفهوم التعددية والمشاركة من جهة والأمن العالمي من جهة ثانية. لا بد من التوضيح بأن الأمن العالمي هو مفهوم أوسع بكثير من الشكل الكلاسيكي الذي يرد الى الأذهان عند ذكره، ويشمل الأمن الاجتماعي والصحي والغذائي.
وفي هذا الصدد تبذل روسيا ودول “بريكس” جهوداً مكثفة لمواجهة أزمة الغذا العالمي التي تشكل أبرز التحديات الرئيسية للبشرية في عالمنا المعاصر. وهذا ما دفع بروسيا الى توسيع إطار المنتديات والمؤتمرات كي تشمل القارة الأفريقية، التي تعد الضحية الأكبر لأزمة الغذاء وهيمنة الغرب على الموارد الأساسية على حساب دول الجنوب العالمي التي ترزح تحت وطأة استعمار ثلاثي: اقتصادي – مالي – تكنولوجي.
أولويات قمة كازان
صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عدة مناسبات عن أولويات بلاده خلال فترة رئاستها لتكتل “بريكس” عام 2024. هذه الأولويات تشتمل على 4 محاور رئيسية. في طليعتها يأتي الاعتماد على العملات المحلية في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء في “بريكس”. وهو ما تنفذه موسكو بشكل عملي ليس مع الصين فقط، بل مع دول أخرى.
ثاني الأولويات إنشاء نظام مستقل للتسوية المالية أو المقاصة “بريكس كلير”، تحدث عنه وزير المالية الروسي باستفاضة منذ أيام قليلة، بما يمكن الدول الأعضاء في “بريكس” والدول الشريكة أيضاً، من الخروج من إسار الهيمنة الأميركية على الأدوات المالية والمصرفية العالمية.
ثالثها، مناقشة فكرة إنشاء نظام إيداع مشترك لتكتل “بريكس”، عبارة عن منصة دفع مشتركة تقترحها موسكو، وترتكز فيها على العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية. وتشمل الخطة إقامة مراكز للتجارة المتبادلة في السلع الأساسية مثل النفط والغاز الطبيعي والحبوب والذهب.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع في يوليو/ تموز الماضي قانوناً لإطلاق الروبل الرقمي في البلاد، بالتوازي مع إطلاق منصة الكترونية للعملة الرقمية الروسية، بحيث تقدم روسيا تجربة عملانية موثوقة.
رابعها، تأسيس شركة لتقديم خدمات التأمين ضمن إطار العلاقات التجارية بين دول “بريكس”.
هذه الأولويات الروسية الأربعة تسهم في تعزيز استقلالية “بريكس”، وتقدم نموذجاً جذاباً للدول الساعية الى التخلص من هيمنة الغرب الجيوسياسية بسلاح الاقتصاد والأدوات المالية، وفي طليعتها دول الجنوب العالمي. وكذلك الحال بالنسبة لمصر التي تمتلك قدرات صناعية واقتصادية واعدة، تعوق الضغوط الشديدة على عملتها إمكانية استخدامها كما تخطط الحكومة.
لكن، علينا دائماً أن نتذكر أن “بريكس” هو تكتل لا يزال يافعاً، يعمل على مراكمة النمو في مختلف المجالات، ويفتح أبوابه أمام جميع الدول للاستفادة من المزايا التي يقدمها، والتي تتطور بشكل سريع ومثير.
CNA– مقال بقلم،، د.زكريا حمودان، مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والاحصاء في لبنان