عثمان الخويطر يكتب : أسعار البترول إلى أين؟
مستقبل أسعار البترول .. إلى أين ؟ .. هذا ما سنحاول الإجابة عليه، باستعراض عوامل السوق كما نراها في الوقت الحاضر،حديث الساعة هذه الأيام هو عدم استقرار سعر برميل البترول عند مستوى ثابت، مع ميل قليل نحو الهبوط، فنجد كثيرا من المحللين والمضاربين يلاحقونه ويتنافسون في صيد آخر أخباره، على الرغم من أن المحرك الرئيس للسعر في معظم الأحوال هو التذبذب الأسبوعي العادي في المخزونات الأمريكية، التي أشك كثيرا في أهميتها بالنسبة لحركة بيع أكثر من 97 مليون برميل يوميا، هو الإنتاج العالمي.
ومنذ عرفنا البترول، على أهميته بالنسبة للاقتصاد العالمي والتقدم العلمي ورفاه المجتمع الدولي، إلا أنه الأقل قيمة إذا قورن بسلع لا ترقى إلى مستواه من حيث الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية، وقد يكون السبب الرئيس لهذا الوضع غير الطبيعي كون أكبر احتياطي بترولي من نوع التقليدي الرخيص وأضخم كمية إنتاج هما من دول الشرق الأوسط، أو العالم الثالث على وجه العموم.
بينما المستهلك الرئيس للبترول هي الدول الصناعية الكبرى، ذات النفوذ السياسي والاقتصادي العالمي الكبير. فهي التي تستطيع في كثير من الأحوال فرض نوع من الضغوط التي تخدم مصالحها على السوق البترولية، وإن كان ذلك بدرجة أقل خلال السنوات المتأخرة، بعد أفول نجوم الأخوات السبع، وهي شركات البترول العالمية العملاقة التي كانت تسيطر على إنتاج البترول، بعد ما يسَّر الله وانتقلت المسؤولية إلى أصحاب الشأن، قبل بضعة عقود.
فسعر برميل البترول، منذ ظهوره على الساحة الدولية قبل ما يقارب 150 عاما كأهم مصدر للطاقة، ولاحقا كمادة أساسية لكثير من الصناعات الحديثة، لم يكن في زمن ما عند المستوى الذي يتناسب مع أهميته وقيمته الحقيقية، فالبترول سلعة ناضبة وغير متجددة، ما يضفي عليها صفة خاصة ويرفع من قيمتها التجارية.
ومنطقيا، ترتفع قيمة المصدر القابل للنضوب عندما يصبح وجوده أقرب إلى الندرة، وهو ما نتوقع حدوثه مع البترول الرخيص الذي نحن بصدده الآن، بصرف النظر عن مستوى تكلفة الإنتاج التي قد تختلف من موقع إلى آخر لأسباب فنية وجيولوجية ولوجستية. وترويج ما يسمى بالسعر العادل للبترول لا أساس له من الواقع، ولا يعدو كونه أحد عوامل التخدير والرضا بما لا نريد.
فالسعر العادل هو أعلى قيمة له في السوق الحرة، خارج نطاق التأثير السياسي الذي يمارس عليه من وقت لآخر، ونحسب أن هذا العامل سيزول وينتهي مفعوله قريبا عندما يتساوى معدل الطلب العالمي مع كمية الإنتاج بعد سنوات، وتصبح السوق البترولية لأول مرة خلال عمرها الطويل حرة طليقة. الذين يشككون في هذا الأمر، ما عليهم إلا إلقاء نظرة سريعة على الوضع الحالي للإنتاج العالمي.
فقد بلغ مجموع إنتاج السوائل البترولية ما يزيد قليلا على 97 مليون برميل يوميا. والطلب قريب من هذا المستوى، ولكن الفرق بين الضدين أن الطلب العالمي على المشتقات البترولية والزيت الخام لا يزال يرتفع سنويّا ما بين مليون و200 ألف برميل ومليون و600 ألف. وعلى الرغم من احتمال زيادة الإنتاج خلال السنوات القليلة القادمة، شاملا إضافة البترول الصخري الأمريكي في حالة ارتفاع الأسعار، إلا أن هناك عاملا خفيا يلعب دورا رئيسا في المعادلة بين الطلب وكمية الإمداد، ألا وهو تقدم عمر الحقول المنتجة. فنسبة كبيرة من حقول الإنتاج الرئيسة حول العالم يتقدم بها العمر، وقد مضى على بلوغها ذروة الإنتاج زمن طويل، مع غياب شبه تام لأي اكتشافات جديدة لها قيمة.
فمعظم الحقول التي نسمع عن اكتشافها أخيرا عبر وسائل الإعلام إما أنها صغيرة الحجم وذات احتياطي قليل أو من نوع البترول غير التقليدي المكلِف الذي لم يحن بعد وقت إنتاجه اقتصاديا. ولو ألقينا نظرة سريعة على محتوى الإنتاج العالمي، لوجدنا أن جميع المنتجين اليوم، دون استثناء، ينتجون عند أقصى طاقاتهم الإنتاجية، بعد أن لحقت بهم دول كانت متخلفة لأسباب سياسية أو عوامل عدم استقرار داخلية. ونخص بها إيران والعراق وليبيا وإلى حد ما نيجيريا، حيث بلغ إنتاجهم في الأيام الأخيرة الحد الأعلى. ولعله من نافلة القول أن نذكر هنا أن التخفيضات في الإنتاج التي تم الاتفاق بشأنها قبل أكثر من سنتين بين عدد من دول “أوبك” وأخرى خارج المنظمة من أجل دعم سعر البرميل، لم يكن تخفيضا حقيقيّا.
بل إن معظمه، وفي أغلب الظن، كان تخفيضا قسريا بسبب النضوب الطبيعي. بمعنى أنه لن يعود الإنتاج إلى سابق عهده تحت أي ظرف من الظروف، وهو في مجمله أذان بقرب الانخفاض المتوقع في الإنتاج العالمي.
ويظل احتمال زيادة إنتاج البترول الصخري الأمريكي والرملي الكندي، إذا ارتفعت الأسعار إلى مستوى يسمح بذلك، وهو أمر وارد. وستكون زيادة الإنتاج منهما مقابل الزيادة السنوية في الطلب العالمي على البترول، كما ذكرنا آنفا. ذلك ما دعانا إلى استنتاج أننا على أبواب شح في الإمدادات البترولية وتأكيد على احتمالية صعود الأسعار إلى مستويات قياسية خلال مدة قصيرة.
CNA– مقال بقلم ،، عثمان الخويطر، نائب رئيس شركة أرامكو السعودية للنفط سابقًا