ثالوث إفشال الاقتصاد .. الكارتة والشاى والتعطيش !
هذه المرة أكتب بعد أن تضاعف حجم المشكلة بالإعلان عن التعداد السكانى الأخير الذى أظهر ارتفاع عدد السكان إلى أكثر من 104 ملايين نسمة وتضاعف المشكلة بسبب الثورة الصناعية الرابعة القادمة و التى سيحل فيها الذكاء الصناعى محل الانسان فى العديد من الوظائف بل إن 80% من الوظائف النظرية و بعض الوظائف المهنية ستلغى و تحل الالات مكانها و بالتالى فإن حجم الوظائف سيقل وبالتالى معدلات البطالة الحالية ستتضاعف فى مصر بسبب نقص الاستثمارات و يضاف اليها ميكنة الوظائف.
ولعل الأزمات التى مر بها الاقتصاد على مدى أكثر من 40 عاما تجعلنا نسرد بشكل متسلسل ما نراه أنه اصل مشكلة الاقتصاد المصرى ولماذا يتعثر كل فترة و ما أسباب ذلك (من وجهة نظرى ) البسيطة ، وسأكون صريحا جدًا لأنه لا وقت لدينا لتجميل الواقع و لكن الحلول من وجهة نظرنا سنعرضها فى نهاية المقال .
التعليم :
التعليم المعلب البعيد عن الواقع ، أنت محتاج الشهادة لكى تحصل على العمل والوجاهة الاجتماعية، “بعد كدة خد دورتين 3 علشان تقوى نفسك فى المجال اللى هتشتغل فيه” .. فاصبح التعليم ( شبه تعليم ) .. وفى ظل حالة عدم إيلاء التعليم أهمية، فإن أغلب الأهالى يقومون بدفع ابنائهم للشعبة الأدبية، وذلك حتى يريحوا أنفسهم من عناء التعليم، ولأن الأمر فى النهاية – كما يراه الأهالى – واحد فالمهم هو الشهادة فقط .. أى مجتمع سيبنى على التعليم النظرى ؟ ، أى صناعة وأى تجارة وكلنا لا نريد سوى أن نجلس على المكاتب؟! .. لن تكون هناك مكاتب فى المستقبل و قليلة حاليا .
هل مشكلة التعليم فى المدرس أم الطالب أم المناهج أم الامكانيات؟ .. المشكلة الآن استثمارية.
هل تؤمن بالاستثمار فى التعليم للمستقبل إذا كانت اجابتك بنعم فاعلم ان ما يحدث حاليا من المدارس الخاصة وتكاليفها وأنواعها غير سليم وغير سليم ايضا تعدد انواع التعليم ، انه استثمار وليس عملية تعليمية فلن تخرج مدارس أو جامعات من بلادها الا للاستثمار فلم تعد الدول المتقدمة تصدر العلم بل تصدر المنتج دون اظهار كيفية انتاجه و ان حدث بوجود بعض الطفرات العلمية فان هذه الدول تستقطبهم لاسباب عديدة و لا الومهم لان القواعد العلمية فى مصر تطرد التقدم.
وسأطرح الاسئلة التى يجب أن نسألها كاولياء أمور .. هى المهارت التى يكتسبها الطالب فى التعليم فى مصر و اقول المهارات ليس العلوم ، كنا فى السابق نتعلم ويعلمنا اهلنا كيف نتعامل مع المجتمع و كيف يقوم كل شخص بعمله.
كيف اغفلنا ان المجتمع ليس بمديرينه و لكن بعماله، الدول المتقدمة لا تاخذ باسباب العلم فقط بل إنها تبنى على المهارات و المهن اليدوية و غير اليدوية و لكننا اهملنا الزراعة و الصناعة و الحرف و اصبحنا اكثر استهلاكا فكيف اصبح حالنا ، يوصم بعضنا بعضا بالفلاح مع انه حسب التعداد الاخير يوجد اكثر من 58 % من الشعب المصرى يعيش فى الريف ، و اكاد اجزم خارج هذا الرقم ان 80 % من اصول الشعب المصرى ريفية وأنه لا تخلو عائلة تقريبا فى مصر من اصول ريفية و لكنه التشوة الذى أصاب المجتمع.
عندما طور محمد على مصر طورها بالزراعة ثم الصناعة بعد نقلها من الخارج الى مصر و كان لا يريد ان يجند المصريين فى الجيش ليتفرغوا للزراعة و لكن فى النهاية استعان بالمصريين ليبنى الجيش القوى .
الزراعة :
أتحدث الآن عن الزراعة بعد التعليم وانتقل إليها لأن الحلول لكل ما سنعرضه عن كل قطاع ستكون فى نهاية المقال ( من وجهة نظرنا )
فى الزراعة سيقال الكثير سواء عن أحوال العاملين بالزراعة و استغلالهم من قبل التجار و عدم اهتمام الدولة و النظرة الفوقية لبعض مسئولى الدولة لهذة الفئة رغم ما قلناه ان معظم المصريين من اصول ريفية.
ولكن دعونا نقول لماذا الاهتمام بالصناعة دون ان تجهز الاساس و هو الزراعة ، من سيصرف على الصناعة هى الزراعة و ان ساء حال الزراعة اكثر فسيزيد الاستيراد و نستمر فى معاناتنا ، هناك الكثير ليستفيد منه الفلاح فى مصر و لكننا لا نفعله سواء على صعيد المخلفات او التسويق او التخزين و لابد له ان يحصل على دعم تامينى و شركات متخصصة فى الزراعة تساعدة و يكون هو عميلها التى تحرص على مساعدته لمصلحتها و بالتالى الاستفادة فى اطار منظومة الكل فيها رابح.
ولكن ما الذى قلل من المساحة المنزرعة فى الدلتا او على ضفاف النيل وبدا البناء عليها و جرفها، هل السبب عدم وجود قوانين، لا ليس السبب الاساسى و لكنها الدولة التى سعت الى تعطيش السوق من الاراضى ، كيف الوم الفلاح انه بنى لاولاده بيتا يعيشون فيه فى ظل عدم وجود اراضى جديدة تمنحها الدولة لابناء الفلاحين لزراعتها فى الصحراء ومساعدتهم فى ذلك من خلال شركات ومنظومة.
ومازالت منظومة الاراضى كما هى و لذلك ظهرت مافيا الاراضى و التعدى على املاك الدولة و لكن من يقوم بالتعدى على الاراضى هل هو الفلاح البسيط لا بل رجال الاعمال و من لديهم العمالة والحراسة و المال لعمل ذلك بالتواطؤ مع بعض موظفى الدولة فى منظومة فساد تجعل الغنى يزداد غنى و الفقيريزداد فقراو ليس له فرصة للتقدم للامام ، اذن و فى رأيى هى الدولة التى تتشدق بأننا نعيش على 10% من مساحة مصر و لا تسمح لاحد بالحصول على ارض جديدة و ان حصل عليها تتركهم للمجهول
الصناعة :
على مدى السنوات العشرين الماضية سمعنا عن ابتكارات و عقول اخترعت و ابدعت و ظهرت فى لقاءات تلفزيونية و هلل لها الجميع و فرحوا و لكن اما وضعت فى الادراج او جاء لصاحب الاختراع عروضا من الخارج لعمل اختراعه ، الدولة لا تشجع الاختراع و لا تفهمه الا بعد ان يكون هناك توجه من مسئولين واذا تم استبعادهم ياتى المسئول التالى ليغير كل اساليب الوزارة او الهيئة، حاولنا صناعة السيارات و لكننا لم ننتهج اهم اساسيات الصناعة و هو التطوير المستمر واقسام للابحاث لها نصيب جيد من ايرادات الشركة او المؤسسة المنتجة بل اننا لم ننتهج فكرة تطوير العمالة او الالات او التسويق او فتح اسواق تصديريه.
فمعظم الصناعات التى تاتينا من الخارج تكتفى بالسوق المحلى بمقاييسه وانتاجه و لا تنوى التصدير و لذلك و مع وجود السوق اهملنا و تهاونا فى التطوير بحجة “ان الناس كدة كدة هتشترى” حتى وصلنا الى هذه المرحلة ، اننا نبحث عن المستثمر لصناعى الذى ينشىء مصنعا بتكنولوجيا قديمة و مجانية تقريبا فى بلاده و نعطيه الحوافز و يكتفى بالسوق المحلى حتى وصل بنا الحال ان قطاعات كثيرة مهمة و استراتيجية تملك فيها الشركات الاجنبية النسبة الأكبر مثل الأدوية والكيماويات والاغذية والاسمنت وتبحث الدول الآن عن نصف الفرصة لدعمها و نحن لدينا فرص جيدة من الابتكارات و لكن نرميها بحجة ان مصر ولاده و انه مش اول اختراع او ابتكار وهو اهدار للمال العام واضح وصريح .
البحث العلمى :
هل هناك بحث علمى فى مصر؟، نعم هناك بحث علمى فى مصر فى الزراعة و الصناعة و كل المجالات و لكن العهود الاشتراكية قضت عليه لأن الممول الوحيد للتنفيذ كانت الدولة و استخدام اى بحث كان يخضع لرؤية الدولة و يسير ضمن هياكلها البيروقراطية حتى اما يموت او يفر الباحث الى الخارج لتنفيذه و لعل اهم مؤشرات تاكيد كلامى ان مصر طبقا لاحصاءات الامم المتحدة الدولة الاكبر من حيث العلماء فى الخارج ، اذا فى الاساس ليس المشكلة فى جودة التعليم بل فى الفرص و تبنى الدولة لاستراتيجية البحث العلمى بغض النظر عن معرفة المسئول اهمية الاختراع او الابتكار أما لا.
ماذا يفيد التعليم اذا لم تعمل به حتى و لو نسبة قليلة فقد اثبت النظام التعليمى والطلبه المصريون أن لديهم ما يقدمونه و لكن ترفض الدولة الهدية ، ويتعامل المسئول كما العامة فى ان البشر فى الخارج افضل منا مع ان الارقام تؤكد عكس ذلك و ان المسئولين لا يقومون بوظائفهم و هى دعم المستقبل ، الدولة تعلن دعم العلماء و لكن مسئوليها لا يعرفون كيف ذلك ؟
الحلول :
أولًا : التعليم
سأصيغ رأيى من خلال عدة اسئلة ليرد عليها ولى الامر أو من لديه ابناء فى مراحل التعليم ..
- هل ترى أن المهارات التى يكتسبها الطلاب كافية لسوق العمل ؟
- هل يتناسب ما تدفعه فى مصاريف المدارس مع الخدمة التعليمية ؟
- هل مع هذا المستوى ستضمن تنافسية ابناءك فى الداخل مع اقرانه فى ظل نقص الوظائف ام ستحتاج ان تساعده سواء ماديا او معنويا فى دفع ثمن الوظيفة ؟
- هل ترى أن مشروع المدارس مشروع تجارى أم تنموى و فى رايك ما هو هامش الربح الذى تقبله من المدارس و المؤسسات التعليمية ؟
وبغض النظر عن اجاباتك فإن كثيرًا من المدارس تعتمد على التلقين و لا تنمى مهارات الطالب الى فى عدد محدود من المدارس و بتكاليف عالية و ارباح لا تصنعها هذة المدارس او المؤسسات فى بلادها ، لدينا مشكلة فى عدد المدارس و الامكانات التعليمية و طرق التدريس و كلها تحتاج الى التمويل و هنا المشكلة الاكبر ، هل تمول العملية التعليمية التى لا تنمى المهارات الان ثم تعود لتنميتها و دفع اموالا اخرى ليحصل ابنائك على وظائف ام تصنع لهم المستقبل الآن باموال أقل ؟! ..
نعم تستطيع فإن مجانية التعليم شىء جيد و لكن لمن ، لمن لا يملك تعليم اولاده فنحن الان فى مفترق طرق أما أن نكون أو لا نكون مع هذا التقدم فى العالم و الذى ستقل فيه وظائف البشر ، الان تستطيع ان تربط بين مجانية التعليم و الدخل و الضرائب و كل شىء الكترونيا كما تستطيع مراقبة ارباح المدارس و المدفوعات التى ترد اليها و يمكن استخدام بعض ايرادات الضرائب بشكل مباشر فى تطوير نفس العملية التعليمية و لكن المركزية تمنعنا و هى افة سياتى وقتها فى مقال اخر ، نحن ليس لدينا مشكلة اموال و لكن مشكلة توزيع الموارد لا مركزيا.
أما الدروس الخصوصية فامرها اسهل مما نتصور و لكن نحن نصعبها على انفسنا ، المدرس الذى يريد ان يعطى دروسا خصوصية او اى سنتر تعليمى عليه ان يختار بين عمله التجارى و عمله الوظيفى و يعامل ضريبيا كاصحاب المهن الحرة و بعد فترة قصيرة ستجد انها انحسرت ، وهذا سيجعل اولياء الامور قادرين لى دفع مبلغ اكبر فى مصروفات اولادهم الدراسية للمدارس الحكومية فى تقسيمات ليس صعبة محاسبيا من خلال الملفات الالكترونية و كذا فى الصحة و مناحى اخرى ، هذة ليست الحلول كاملة نظرا لطول المقال ، لان فى الحلول ايضا عودة البرامج التعليمية بقوة سواء من الاعلام الرسمى او الخاص و ان كان الخاص لن يتحمس لانه يبحث عن هوامش الربحية فقط .
لم تعد الزراعة هى الصورة الذهنية التى لدينا زى الارض السمراء و الطين و الترعة و النيل و النخيل بل اصبحت الزراعة لا تحتاج الى تربة زراعية بل الى المائ و كمان المياه لا يتم فقد اكثر من 10 % منها و مع كل هذة الصحارى و الاراضى التى لا تصلح للزراعة يمكن عمل مشاريع تستعمل الاكوا بونيك و الهيدروبونيك و هى انظمة زراعة محمية و تعطى منتجات زراعية اقل تلوثا و اكثر كفاءة و يتجه العالم اليها كما يتجه الى الطاقة المتجددة ، اما المياه فنحن المسروفون فيها و سوف اسرد هذا الاسراف فى مقال اخر ايضا.
و لكن الان كيف تترك المجارى المائية دون تنظيف و كل ما تاكله يتاثر بالارض و الهواء و المياه ، لماذا اتجهت الى الاسمدة الكيماوية و لديك كل هذة المخلفات الزراعية ، علينا جميعا الان ان نستثمر فى صناعات تدوير المخلفات و اعادة استخدام المخلفات الزراعية للوصول الى منتجات زراعية اجود و اقل استخدام للكيماويات و توفير الاسمدة الكيماوية التى اسرفنا فى استخدامها .
الصناعة :
الأفكار هى أساس التطور الصناعى ، لديك فى الفترة الاخيرة العديد من الاختراعات التى لم تتبناها سواء بسبب البيروقراطية او نقص التمويل او ضعف اليات التنفيذ لكنك تسمح فى نفس الوقت بالتوسع فى الاستيراد لكل شىء و لا تستطيع التحكم فى عمليات تهريب البضائع و اصبحت اى صناعة فى مصر لها اكثر من منافس سواء مصانع بير السلم او التهريب او البيروقراطية ، عليك الان ان تقوم بعمل حاضنة للابتكارات والاختراعات و بدء تسويقها بعيدا عن الاطار الحكومى.
نحن مازلنا نطلب من الدولة الدعم رغم أن الدولة إذا دعمت فكرة فانها تموت اما بالبيروقراطية الحكومية و الرسوم او من خلال ادارتها بشكل حكومى فيصيبها كل ما اطاب صناعات كثيرة من تقادم و فشل و تعثر و افلاس و بالتالى ضياع الاموال و الوقت ، و الحل هو الدعم الشعبى.
وهنا بعيدًا عن الثلاث قطاعات التى ذكرتها فاننا يجب علينا الان و اقول الان ان نبدا فى انشاء صندوق شعبى من الادخار لمساعدة اولادنا قبل كل شىء فماذا يفيد شبه التعليم فى عالم يتقدم يجب ان يكون التمويل جاهزا لكل صاحب فكرة من اولادنا سواء صناعة او تجارة و هى فكرة سليمة بعد اصدار قانون الاستثمار والذى لاول مرة من وجهة نظرى سيتساوى فيه المستثمر الاجنبى مع المصرى فى الاجراءات واقامة الشركات و هو حلم من سنوات ان يكون لدينا القدرة على مساعدة اقتصادنا من خلال المصريين وليس الاجانب وإن كان المستثمرون المصريون يبحثون ايضا عن هوامش الربحية العالية.
ولكن عندما يكون لدينا صندوق استثمارى يتم عمله من المدخرات الصغيرة ولا يبحث عن هوامش ربحية عالية فسيكون ليس فقط رمانة ميزان الاقتصاد ولكن سيوفر جزءا من التنمية لصالح المصريين بالفعل بمنظومة اقتصادية سليمة تقضى على الاحتكار و تعطى فرص النمو لابنائنا لنكون بالفعل مطمئنين على مستقبلهم مش من خلال ( شبه التعليم ) لكن لان الاختراع الواحد يوفر العشرات من فرص العمل وفى النهاية هى دى التنمية التى نرغب بها و ليس ( شبه التنمية ).
رغم أن حديثنا قد طال بشكل كبير لكن هناك الكثير ليُذكر فى ما هو أكبر من مقالة واحدة.
CNA– مقال بقلم،، محمود يوسف، إعلامى يعمل مديرًا لإدارة النشرات الاقتصادية بالتليفزيون المصرى