تحليل .. الاحتياطى وسعر الصرف والتضخم يسلكون هذا الاتجاه الآن
استطاعت السلطة النقدية للبلاد بالتعاون من الحكومة تأمين إمدادات دولارية ضخمة من خلال اتفاقات تمويلية من كبرى المؤسسات الدولية، كان على رأسها صندوق النقد الدولى الذى وافق مساء أمس على ضخ 12 مليار دولار لمصر،وقد وجه بالفعل 2.75 مليار دولار للبنك المركزى فى ذات الليلة التى وافق فيها على القرض ( بل وقبل أصدار بيان الموافقة)،كذلك تلقى البنك المركزى تمويلات أخرى من بنوك دولية ،وبموجب سندات دولية طرحتها وزارة المالية.
ومن خلال هذه الإمدادات تتحقق مكاسب كبيرة للاقتصاد، على رأسها ارتفاع الاحتياطى من النقد الأجنبى،وقد أعلن طارق عامر ،محافظ البنك المركزى، أن قيمة الاحتياطى ارتفعت إلى نحو 23.5 مليار دولار، وهذا يوضح أن قيمة الاحتياطى ارتفعت فى الـ 11 يومًا الأولى من شهر نوفمبر الجارى بقيمة 4.5 مليار دولار، حيث كانت قد سجلت 19 مليار دولار بنهاية اكتوبر.
وبموجب زيادة الاحتياطى النقدى تقوى قدرة البنك المركزى على ضبط السوق، والوفاء باحتياجات البلاد الأساسية من سلع وخدمات هامة ، إلى جانب أنه يشجع المستثمرين الأجانب على زيادة حجم الأعمال فى السوق كاستثمارات مباشرة وغير مباشرة، لأن زيادة الاحتياطى مؤشر جيد على ضمان قدرة البنك المركزى على تحويل أرباحهم للخارج بشكل أكثر سلاسة وسرعة من ذى قبل.
وقد ارتفعت فعليا فى الأيام القليلة الماضية، وبعد قيام البنك المركزى بتحرير سعر صرف العملة،عمليات الاستثمار غير المباشر فى أذون الخزانة ،وكذا البورصة، حيث استغل المستثمرون وصناديق الاستثمار الأجنبية تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، لتعزيز حجم محافظهم الاستثمارية فى مصر، وعينهم على سعر العملة الذى سيضمن لهم تحقيق عائد جيد عند ارتفاع قيمة العملة المحلية، إلى جانب أسعار العائد المرتفعة على أذون الخزانة، والأسعار المغرية للأسهم بالبورصة .
تصنيف مصر الائتمانى
ولا يمكن احتساب موافقة صندوق النقد الدولى على قرض مصر،وضخ الشريحة الأولى منه، باعتباره مكسبًا ماليًا فقط (يعزز قيمة الاحتياطى) لكنه يعد مكسبًا معنويًا أكبر للاقتصاد المصر .. حيث تعكس الموافقة أن الاقتصاد المصرى يسير فى الطريق الصحيح، كما أنها تعد شهادة بأن برنامج الاصلاح الاقتصادى قادر على إحداث نقلة حقيقية فى معدلات النمو الاقتصادى،وتقليص عجز الموازنة العامة، وهذا بكل تأكيد يعزز من التصنيف الائتمانى لديون البلاد السيادية،ويزيد من ثقة المستثمرين الأجانب بالسوق.
وقد سارعت مؤسسة ستاندرد آند بورز فى الاعلان عن تغيير نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصرى من سلبى إلى مستقر، كما أبقت على التصنيف الائتمانى الحالى دون تغيير، وثمة توقعات بأن تقوم مؤسسات التصنيف الائتمانى “فيتش” و”موديز” بتحسين تصنيف مصر لديهم، وهو الأمر الذى يفتح أبواب الاستثمار الاجنبى.
سعر الصرف
ومن دون أدنى شك سيتأثر سعر الصرف بشكل كبير بالامدادات الدولارية التى دخلت البلاد ،وتلك التى تُضخ فى أدوات الدين الحكومية وفى البورصة يومًا تلو الآخر .. وبعد أن ارتفع الدولار فى البنوك إلى المستوى الأعلى متجاوزًا 18 جنيهًا فى الأيام السابقة،عاود التراجع تدريجيًا، حتى هوى إلى نحو 16 جنيهًا وذلك فى الدقائق الأخيرة من تعاملات الجمعة الماضية، فى أعقاب الاعلان عن موافقة صندوق النقد على ضخ قرض الـ 12 مليار دولار لمصر.
ومن المتوقع أن يتراجع سعر صرف الدولار إلى ما دون 11 جنيهًا بنهاية العام الجارى (2016)، وذلك هو السعر الذى تراه مؤسسات دولية كثيرة أنه السعر العادل للجنيه فى الوقت الراهن، لكن ذلك لا يعنى أن الدولار سيستقر عند هذا الحد، لكن من الممكن أن تمتد التراجعات ليصل الجنيه إلى مستويات مقبولة شعبيًا وللسلطة النقدية للبلاد،لكن ذلك يتطلب المزيد من الجهد ،وتحسنًا كبيرًا بقطاعات الاقتصاد المختلفة.
تأثيرات ايجابية
وثمة توقعات بأن يستمر ارتفاع الاحتياطى النقدى ليتراوح بين 26 مليار دولار إلى 30 مليار دولار بنهاية العام الجارى،لاسيما وأن وزارة المالية بصدد طرح سندات دولية جديدة، إضافة إلى ذلك فإن تراجع سعر الصرف إلى الأسعار العادلة من شأنه أن يقلص من معدلات التضخم، ومن ثم فإن من المتوقع أن تشهد السلع التى تحركت أسعارها بعنف فى الفترة الماضية، تراجعًا فى الأسعار مع بداية العام المقبل،ولابد هنا أن تعمل الجهات الرقابية بكل قوة من أجل مواجهة سطوة الاحتكار وجشع التجار والمتلاعبين بالسوق.
ضرورات لاستمرار التحسن
لكن هنا لابد من الإشارة إلى أمور ضرورية حتى نتلافى حدوث انتكاسة،وعودة السوق السوداء للعملة، وعلى رأس هذه الأمور الاسراع فى اصدار قانون الاستثمار بشكله الجديد، لتحفيز المستثمرين على الدخول بقوة إلى السوق، كما أنه لابد من تكثيف الاجراءات لإعادة الحياة لقطاع السياحة الذى يدر للبلاد فى الأوقات الطبيعية ما يقترب من 16 مليار دولار، وتجدر الاشارة هنا إلى أن عوائد السياحة تحسنت نسبيًا فى الفترة الأخيرة إلا أنها لم ترق إلى المستوى المطلوب.
كذا فلابد من الإشارة إلى أن تحرير سعر الصرف من شأنه أن يزيد من تحويلات العاملين بالخارج من خلال القنوات الرسمية (البنوك)، فبعد أن كان جزء كبير من التحويلات يتم من خلال قنوات غير رسمية، أصبح السعر فى البنوك فى الوقت الراهن منافسًا بقوة، كما أن الآمال تنعقد على القطاعات التصديرية للقيام بدور أكثر فاعلية ،وتنشيط حجم الأعمال مع وجود سعر للدولار من شأنه أن يحقق للمصدرين أرباحًا جيدة كلما زادت عملياتهم التصديرية.
CNA– تحليل بقلم ،، أحمد زغلول ، كاتب صحفى متخصص فى الشأن الاقتصادى