أموال المصريين لم تذهب هدرًا .. ومشروع قناة السويس لم يفشل .. وهذه الدلائل
فى الذكرى الأولى لتدشين قناة السويس الجديدة ،يُشكك كثيرون فى جدوى المشروع الذى كلّف البلاد ما يربو على 60 مليار جنيه، تم جمعها من خلال شهادات الاستثمار من المواطنين،الذين لم يتأخروا عن المشاركة فى تمويل هذا المشروع الاستراتيجى الكبير،رغبة منهم فى مساندة الاقتصاد الوطنى والقرار الوطنى والمشروعات التى لها إمتدادات وتأثيرات على أمن البلاد واقتصادها.
ورغم أن المشروع لم يسهم فى العام الأول من تدشينه فى زيادة إيرادات القناة،(كما أنه ليس متوقعًا أن يُحدث قفزة فى إيرادات العبور خلال العام الجارى) إلا أنه لم يفشل، ولم تذهب مليارات المصريين سدى كما تردد وسائل إعلام محلية وأجنبية،بل على العكس فإن هناك ثلاثة أمور إيجابية حققتها قناة السويس الجديدة،كما أنها أماطت أمورًا سلبية كان من الممكن أن تؤثر على الاقتصاد،وعلى جاذبية القناة نفسها أمام التجارة العالمية.
اما الأمر الإيجابى الأول فإن القناة الجديدة والتى ضمنت تقليص وقت العبور للسفن،وخلق حالة من السيولة فى المجرى الملاحى،قضت على الآمال بأن تلتهم قناة بنما جزءًا كبيرًا من حصتنا فى التجارة العالمية.
وفى 26 يونيه الماضى (2016) دشنت بنما قناتها التي تم تجديدها وتوسيعها، بعد تسعة أعوام من أشغال هائلة، لاستقبال سفن أكبر، على أمل تحفيز قطاعها التجاري، وانتزاع زبائن من منافستها الرئيسية قناة السويس،وباتت البنية التحتية التي يبلغ عمرها 102 عاما تسمح بمرور سفن تنقل عددا يصل إلى 14 ألف حاوية، ويمكن أن يبلغ عرضها 49 مترا، وطولها 366 مترا، أي أن قدرتها ازدادت ثلاثة أضعاف.
وهذا له مدلولان أولهما أن الإنفاق على المشروعات الاستراتيجية الكبرى،لا تحسب عوائده على المدى القصير،وإلا فلما دشنت بنما توسعات قناتها،فى الوقت الذى يتراجع فيه معدل نمو التجارة العالمية،وهو السبب الذى حال دون زيادة إيرادات قناة السويس،ومن ثم فإن النظرة لابد أن تكون عميقة لمثل هذه المشروعات،وقد تكلفت بنما لتوسعة قناتها 5.4 مليار دولار ( ما يعادل نحو 50 مليار جنيه مصرى).
أما المدلول الثانى فهو أنه لو لم يتم تدشين التفريعة الجديدة لقناة السويس،لكانت الايرادات فى طريقها للتناقص،نظرًا لأن قناة بنما بعد التوسعة أصبحت تتسع للسفن الكبيرة،ومن ثم فإن تدشين قناة السويس الجديدة،وما ضمنته من سهولة فى العبور فى أقل وقت ضمنت ألا يتناقص الإيراد لصالح المنافس،وهو أمر هام جدًا فى ظل الظروف الصعبة التى يمر بها الاقتصاد المصرى وحاجته لكل دولار.
وبالنظر إلى الأمر الايجابى الثانى الذى حققته قناة السويس الجديدة،فإنه يتمثل فى زيادة جاذبية محور قناة السويس أمام المستثمرين فى العالم،وذلك لأنه يهيىء بنية أساسية تساعد فى أن تكون المشروعات بهذه المنطقة،قواعد رئيسية للتصدير إلى دول العالم،وقد أعلنت روسيا مؤخرًا عن بدء إجراءاتها لتوجيه 4.6 مليارات دولار بمنطقة صناعية فى محور قناة السويس.
والمنطقة الاقتصادية للقناة واعدة وتمنح الأمل، فهى على مساحة 461 كيلو مترًا مربعًا، وبها 6 موانئ، وتمثل ثلثى مساحة سنغافورة، كما أنها عشرة أضعاف مساحة منطقة “جبل على” فى دبى بالإمارات العربية المتحدة، لذلك فإنها تمثّل مشروعًا طموحًا ومنطقة متكاملة ولوجستية مهمة.
أما الأمر الإيجابى الثالث الذى تحققه قناة السويس الجديدة،فإنها (ببساطة) تضمن ارتفاع الإيرادات بشكل كبير فور تعافى التجارة العالمية.. وتبلغ إيرادات القناة فى الوقت الراهن نحو 5.5 مليار دولار،وثمة توقعات بأن ترتفع بشكل طفيف إلى 5.6 مليار دولار فى العام المالى الجارى 2016-2017 ، إلا أن الآمال تنعقد على تعافى الاقتصاد العالمى ومن ثم زيادة التجارة العالمية خلال السنوات المقبلة.
لذلك فمن الواجب علينا عدم التهوين من قدر المشروع الجديد،الذى وإن لم يحقق زيادة فى الإيرادات على المدى القصير (نظرًا لتراجع التجارة العالمية) إلا أنه يفتح أبواب الأمل أمام استثمارات ضخمة بمنطقة القناة الواعدة،ويدرأ عنا مخاطر تراجع إيرادات القناة بشكل كبير وتناقص أهميتها الاستراتيجية عالميًا،فى ظل توسعة وتطوير القنوات المنافسة،كما أنه يضمن زيادة الايرادات المباشرة من العبور فور حدوث زيادة حقيقية فى حجم التجارة العالمية،وإن كنا قد تحملنا تكلفة هذا المشروع فإنه ،لاشك، فى أننا سنجنى ثماره،وستظل هذه الثمار لأجيال قادمة من الواجب علينا أن نبنى لأجلها.
CNA– مقال بقلم ،،أحمد زغلول،كاتب صحفى متخصص فى الشأن الاقتصادى