أحمد زغلول يكتب: مصر تضع قدمًا بسوق التريليون دولار
من البحث عن موطيء قدم، إلى خطوات فعلية متسارعة، هكذا يبدو التغير في استراتيجية ورؤية مصر تجاه توطين أكثر الصناعات المغذية للتقدم التكنولوجي في العالم.
فإذا ما تحدثنا عن صناعة الرقائق الالكترونية وأشباه الموصلات في مصر، فقد كانت من سنوات قليلة مجرد توصيات من دون تصور لآليات الإنطلاق، أما الآن فثمة خطوات متسارعة تقودها الحكومة لإحراز تقدم في هذا الإطار لضمان الاستفادة من سوق عالمي يُتوقع له أن يتخطى التريليون دولار في الأعوام القليلة المقبلة.
وبينما تستعد الدولة لطرح ممارسة خلال العام الجاري يتم من خلالها اختيار استشاري عالمي لوضع استراتيجية متكاملة لتوطين صناعة الرقائق الالكترونية، فقد وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار بإنشاء وتشكيل المجلس الوطني لتوطين تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية.
وكان من الضروري نقل تكنولوجيا صناعة الرقائق إلى مصر خاصة أنها تمتلك الكثير من مقوماتها وعلى رأسها المواد الخام الممثلة في الرمال البيضاء والسوداء والتي تمثل ميزة نسبية لمصر في هذه الصناعة، ولذلك فقد اهتمت الدولة على مدار السنوات الماضية بإنشاء مصانع الرمال السوداء لاستغلال احتياطيات تقدر بنحو 1.3 مليار متر مكعب.
وهو ما يأتي تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في هذا الصدد، من إقامة صناعات تعتمد على هذه الثروات، كصناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، سعياً لدعم الاقتصاد المصري وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبما يعزز من فرص المنافسة العالمية في هذا المجال.
وأصبحت صناعة الرقائق الإلكترونية حاليًا هي الصناعة الأهم في معادلة التقدم التكنولوجي والتحول الرقمي، حيث تدخل في صناعة جميع الأجهزة الالكترونية والكهربائية ووسائل النقل الحديثة، وكروت الدفع الإلكتروني وغيرها من الكروت الذكية.
وقد تأثر الاقتصاد العالمي خلال أزمة كورونا عندما حدث نقص في الرقائق الإلكترونية فيما عرف وقتها بأزمة نقص الشرائح الإلكترونية وهو ما أثر وقتها على صناعة الإلكترونيات وأشباه الموصلات وكذلك السيارات.
المجلس الوطني لتصنيع الرقائق
وبالنظر إلى المجلس الوطني لتصنيع الرقائق، فقد نص مشروع قرار مجلس الوزراء على أن يشكل المجلس برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من: نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، ووزراء: التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم العالي والبحث العلمي، والكهرباء والطاقة المتجددة، والدولة للإنتاج الحربي، والمالية، والاستثمار والتجارة الخارجية، والبترول والثروة المعدنية “مقرراً للمجلس”.
بالإضافة إلى رئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع، ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، وممثلين عن الكلية الفنية العسكرية، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهيئة الأمن القومي، وهيئة الرقابة الإدارية.
ويجتمع المجلس بدعوة من رئيسه مرة كل شهرين على الأقل وكلما دعت الحاجة لذلك، ويختص المجلس بإقرار استراتيجية تكنولوجيا تصنيع الرقائق الالكترونية والخلايا الشمسية، ومتابعة تحديثها كل عام أو كلما اقتضى الأمر ذلك، وكذا متابعة تنفيذ أجهزة الدولة المعنية لخطط وسياسات استراتيجية تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية، ومتابعة تطور العمل بالاستثمارات القائمة في مجال تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية.
إلى جانب بحث أوجه المشكلات والمعوقات التي تواجهها، وإقرار الحلول اللازمة لتذليل معوقات الاستثمار في مجال تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية، وتوجيه أجهزة الدولة المعنية لتنفيذها.
كما يختص المجلس بمراجعة التشريعات والنظم والقواعد والمعايير المنظمة للاستثمار في مجال تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية، واقتراح ما يلزم منها على جهات الاختصاص، وتلتزم كافة أجهزة الدولة، كل فيما يخصه، بتنفيذ خطط وسياسات تكنولوجيا تصنيع الرقائق الالكترونية والخلايا الشمسية، وكذا تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس في شأن تذليل معوقات الاستثمار في هذا المجال.
مصانع الرمال السوداء
وبدأت الدولة مؤخرًا جهود غير مسبوقة للاستفادة من مخزون الرمال السوداء الغنية بالمعادن التي يستخدم بعضها في صناعة الرقائق الالكترونية مثل عنصر السيليكون، ففي عام 2016 تم تأسيس أول شركة مصرية لتعدين الرمال السوداء، وفي 2018 تم وضع حجر الأساس لمصنع فصل الرمال السوداء، وفي 2019 تم التصديق على قانون “الرمال السوداء”، لاستكشاف واستغلال معادن الرمال السوداء، وصولًا إلى افتتاح مجمع مصانع الرمال السوداء خلال عام 2022 بمدينة البرلس بمحافظة كفر الشيخ.
وأفاد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن الاحتياطي الجيولوجي من الرمال السوداء في مصر يقدر بنحو 1.3 مليار متر مكعب، موزعة على أربع مناطق رئيسية في محافظات البحيرة، ودمياط، وكفر الشيخ، وشمال سيناء.
وتم كذلك تدشين مصنع استخلاص معادن الرمال السوداء في رشيد بمحافظة البحيرة على مساحة 40 فدانا، وتبلغ مساحة منطقة التكريك الخاصة به نحو 9 كيلو مترات.
استشاري عالمي
وتستعد الحكومة لاختيار استشاري عالمي لوضع تصور واستراتيجية لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية، واستمرار جهود تدريب الكوادر البشرية في مجال الإلكترونيات، بالتكامل مع جهود جذب الاستثمارات لهذه الصناعات.
ويتم في الوقت الراهنن إعداد دراسات متكاملة تتضمن تعظيم الاستفادة من مقدرات مصر من خام الرمال البيضاء والسوداء، وكذا تعزيز القدرات التصنيعية في هذا المجال، سعياً لتوطين الصناعات الخاصة بالرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، وذلك بالنظر لما تشهده هذه الصناعات من طلب متزايد خلال هذه الفترة، وفى المستقبل.
وعقدت الحكومة اجتماعات ولقاءات على مدار الأشهر الماضية مع كبريات الشركات العاملة في هذا المجال، لمناقشة واستعراض العديد من النقاط التي تدعم جهود توجه الدولة نحو توطين مثل هذه الصناعات المهمة، سواء ما يتعلق ببرامج التدريب المتخصصة وإعداد الكوادر البشرية، أو ما يتعلق بإتاحة المزيد من التيسيرات والحوافز جذباً لمزيد من الاستثمارات لتلك الصناعات الحيوية.
نمو السوق العالمية.. وفرص مصر
وثمة فرصة جيدة لمصر سواء لتغطية الطلب المحلي من الرقائق أو التصدير، خاصة مع زيادة الطلب العالمي في ظل توسع قطاع أشباه الموصلات بشكل سريع؛ حيث أصبحت أشباه موصلات الطاقة مكونات لا غنى عنها في تطبيقات مثل إمدادات الطاقة، ومحركات السيارات، وأنظمة الطاقة المتجددة.
وقد أدى نمو المركبات الكهربائية والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة مع تطور الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الطلب على أشباه موصلات الطاقة، نظراً لدورها الأساسي في التحكم بكفاءة وتحويل الطاقة الكهربائية في مجموعات الحركة الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة.
وطبقًا لشركة موردور إنتليجنس فمن المتوقع أن تنمو صناعة أشباه الموصلات من نحو 720 مليار دولار في عام 2024 إلى 1.21 تريليون دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي قدره 10.86 في المئة خلال الفترة المتوقعة (2024-2029)،
كذلك تتوقع منظمة ضغط أشباه الموصلات SEMIإنتاجًا شهرياً يبلغ 9.6 مليون رقاقة 300 ملم، و7.7 مليون من الرقاقة 200 ملم شهرياً بحلول 2026.
ووفقا لبيانات من منظمة ضغط أشباه الموصلات SEMI، فإن حوالي 70% من إجمالي القدرة التصنيعية الحالية تسيطر عليها كوريا الجنوبية وتايوان والصين، مع احتلال الأمريكتين المرتبة الخامسة بعد اليابان، التي استحوذت على حصة 13% في عام 2022.
ولاستعادة أجزاء على الأقل من هيمنتها الصناعية السابقة، أقرت إدارة بايدن قانون الرقائق والعلوم في أغسطس 2022، وخصصت حوالي 280 مليار دولار لدفع صناعة الرقائق المحلية المتخلفة من حيث البحث والإنتاج. ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا الإجراء كافيا للولايات المتحدة للتغلب على أكبر منافس لها اقتصاديا، الجمهورية الشعبية.
CNA – مقال بقلم.. أحمد زغلول، صحفي اقتصادي.. نقلا عن مجلة روزاليوسف