أحمد الألفي يكتب: صكوك الغفران الاقتصادية
نصبت بعض المؤسسات العالمية التى تهيمن على مقدرات الشعوب من أنفسها كسلطات دولية مطلقة، فتارة تصدر شهادات جدارة إئتمانية للدول و تارة أخرى تصدر مراتب تصنيف إئتمانى لها، وتتحكم بمقتضى هذه الشهادت فى إقتصادات الشعوب وتوجهها إلى المسار التى تريده هذه المؤسسات.
إذن فنحن بصدد صكوك غفران إقتصادية تمنح الدول التى تسير فى فلك التبيعة الإقتصادية والمالية للعالم الأول، عالم القطب الواحد الذى أفرزه النظام العالمى الجديد الذى ساد العالم بعد سقوط و تفكك الإتحاد السوفيتى وإنهيار النظام الشيوعى المنافس الوحيد الذى كان للرأسمالية العالمية.
وفى مقدمة مؤسسات منح صكوك الغفران الإقتصادية صندوق النقد الدولى الذى يصدر تقارير وشهادات عن الجدارة الإئتمانية لإقتصادات الدول،وتؤثر هذه الشهادات بالإيجاب أو بالسلب على قدرة أى إقتصاد فى الحصول على القروض والتسهيلات الإئتمانية من الأسواق المالية العالمية.
وبرغم فشل هذا الصندوق فى تحقيق الإستقرار المالى والنقدى على المستوى العالمى طبقاً لسند إنشاؤه،إلا أنه ما زال يمارس دوره فى التضليل والضلال المالى العالمى متجاهلاً فشله فى وضع آلية جادة للحد من الأزمات المالية العالمية التى حدثت مؤخراً بدءاً بالأزمة المالية العالمية طبعة 2008 وانتهاءاً بأزمة الديون الأوربية السيادية الحالية،وما يستجد من أزمات،ومازال يصدر روشتاته القاتلة للدول التى لجأت إليه لطلب مساعدته المالية ومشورته الإقتصادية .
كما قام النظام العالمى الجديد بمساندة منظمة التجارة العالمية وأطلق لها العنان فى وضع قوانين التجارة العالمية تحت مسمى براق جداً هو حرية التجارة أو التجارة العادلة حتى أصبحت سلطات هذه المنظمة سلطات فوقية أعلى من سلطة حكومة أى دولة،وذلك بهدف تمكين الدول المتقدمة من أسواق العالم بالسيطرة عليها و جعلها دائماً من الدول المستهلكة ملتهمة بذلك كعكة التجارة الدولية برمتها تاركة للدول الفقيرة الفتات ومستنزفة مواردها من المواد الأولية.
حيث تميل معدلات التبادل الدولى لصالح الدول المتقدمة،بينما تكون غير مواتية بالنسبة للدول النامية أو الآخذة فى النمو أو بالأحرى الدول التى توقف نموها بسبب التجارة العالمية الجائرة وغير العادلة، وأى دولة لا تمثل لأوامر منظمة التجارة العالمية تطبق عليها العقوبات لمحاصرتها تجارياً ووقف نموها إلى الأبد وإغلاق الأسواق العالمية أمام منتجاتها.
ومن بين المؤسسات التى تصدر صكوك الغفران الإقتصادية مؤسسات و وكالات التصنيف الإئتمانى التى تصدر صكوك غفران من نوع جديد هى صكوك الغفران الإئتمانية،فهذه الوكالات الشهيرة التى لا يزيد عددها على أصابع اليد الواحدة و تتحكم فى الدول بالتصنيفات الإئتمانية السيادية التى تصدرها،فتخيفض التصنيف الإئتمانى للدولة يجعلها عاجزة عن الحصول على الإئتمان من الأسواق العالمية و/أو ترفع من تكلفة حصولها على الإئتمان/ ولا تجرؤ هذه المؤسسات على تخفيض التصنيف الإئتمانى للدول الكبرى لتتقى شرها و نفوذها.
حيث قامت الولايات المتحدة مؤخراً بفصل مدير كبرى وكالات التصنيف الإئتمانى بعد أن تجرأ وقام بخفض التصنيف الإئتمانى السيادى للولايات المتحدة بسبب تفاقم الدين العام الأمريكى،وبرغم عدم خضوع هذه الوكالات للرقابة برغم تورطها فى الأزمة المالية العالمية طبعة 2008،و ذلك بإصدارها تصنيفات إئتمانية مضللة فمازالت حرة طليقة تمارس إصدار صكوك الغفران الإئتمانية دون حسيب ولا رقيب!!
أما وحدة النمرو Namru وهى وحدة الأبحاث الأمريكية التابعة لسلاح البحرية الأمريكية والتى تتخذ من حى العباسية بالقاهرة مقراً لها،و تعمل فى مصر فى مجال البحوث منذ حوالى ستة عقود كاملة،وتقوم بإصدار صكوك غفران اقتصادية من نوع آخر هى صكوك الغفران التجارية،حيث تمنح هذه الوحدة شهادات صلاحية للمنتجات المصرية الحيوانية والزراعية،ولايمكن لهذه المنتجات المصرية أن تعبر إلى الأسواق العالمية إلا بموجب شهادات الصلاحية هذه،والسؤال الذى يطرح نفسه للمناقشة فى هذا السياق، من الذى منح هذه الوحدة هذا الحق ؟؟
ومن الذى أضفى عليها هذه الشرعية العالمية ؟؟
و تستخدم صكوك الغفران هذه بأنواعها المختلفة الإقتصادية و الإئتمانية و التجارية كأدوات و أوراق للضغط على الدول النامية لكى تغرق إلى الأبد فى براثن التبعية السياسية و المالية و التجارية.
وأخيراّ،فهل من سبيل للفكاك من براثن صكوك الغفران الإقتصادية و التجارية ؟؟
نعم بتبنى إسترتيجية للإعتماد على الذات وفك إرتباط الإقتصاد المحلى المفرط بالإقتصاد العالمى.
حكمة مازحة…
ما هى صكوك الغفران الإقتصادية؟؟
إنها عولمة الجاهلية الأولى !! ..
CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفي، كاتب وخبير مصرفي